10:45 مساءً / 1 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

واشنطن تكتب المسرحية : وعودٌ كبرى .. وضماناتٌ بلا أسنان ، بقلم : المهندس غسان جابر

واشنطن تكتب المسرحية : وعودٌ كبرى .. وضماناتٌ بلا أسنان ، بقلم : المهندس غسان جابر

في ليلةٍ ارتفعت فيها أضواء الكاميرات فوق البيت الأبيض، قُدِّم للعالم مخططٌ يُعرَّف اليوم بـ«الخطة الأميركية لإنهاء الحرب على غزة». العناوين الرسمية بداخله كبيرة ووعدية: إطلاق كل الرهائن، إيقاف القتال فورًا إن قُبلت الخطة، ونزع سلاح القطاع وتحويل إدارته إلى حكومة مؤقتة «تكنوقراطية» بلا دور لحركة حماس. لكن بين العبارات الرسمية وصخب المؤتمرات، ينبعث سؤالٌ بسيط ومرعب في آن: هل ما سمعناه هو حلٌّ حقيقيّ يمكن أن ينقذ أرواحاً اليوم، أم أنه مسرحٌ دبلوماسي يكتفي بالبهرجة بينما تظل الحقائق على الأرض كما هي؟

أول مقتطف رسمي يجب أن نضعه أمام أعيننا: إن الخطة تشترط أن تُعاد “جميع الرهائن — أحياء وأموات” خلال 72 ساعة من قبول إسرائيل للاتفاق. هذه كانت النواة الإنسانية التي باحت بها التصريحات الرسمية، وهي ما جذب ترحيبًا سريعًا من دولٍ تخشى استمرارية المذبحة الإنسانية. لكن الوعد الزمني وحده لا يساوي ضمانات التنفيذ.

ثاني مقتطف محوري: الخطة تشترط «نزع سلاح غزة» وتحويل إدارتها إلى مجلس أو حكومة مؤقتة تُستبعد منها حماس وتُشرف عليها هياكل دولية. هذا البند يفتح سؤالًا جوهريًا: من سيؤمّن حماية المدنيين ويضمن إدارة شفافة تُعيد الحقوق المدنية والاقتصادية للسكان؟ هل تكون الإدارة المؤقتة مدخلًا لإعادة بناء حقيقي أم بداية لوصاية طويلة تُغيّب الإرادة المحلية؟

ثالثًا: البُعد الدبلوماسي المُعلَن: الحديث عن “مجلس سلام” دولي يشارك فيه زعماء وغربيون — ويُذكر أنه سيكون دور لقياداتٍ غربية في إشراف المرحلة الانتقالية. هذا التحوّل من سيادة محلية إلى إدارة دولية هو ما يجعل بعض الترحيبات العربية رسميةً فقط — استقبالًا لإطارٍ قد يضمن وقفًا مؤقتًا للقتال — دون أن يعني بالضرورة قبولًا نهائيًا بكل تفاصيل الخطة أو بالتنازل عن الحقوق الوطنية.

ثم جاءت لغة الضغط: تهديداتٌ مضمّنة بأن رفض الخطة سيواجهه «نهاية حزينة» أو استمرارًا لدعمٍ عسكري داعم لإسرائيل — تهديداتٌ وضعَت حماس والمقاومين أمام خيارٍ شديد الصعوبة: قبول شروط تُغيّر الحقائق المؤسسية، أم مواجهة تصعيد ربما يكون أفظع. هذا عنصرٌ آخر يفسِّر ترحيب بعض العواصم: علاوةً على البُعد الإنساني، هناك رغبةٌ في تفادي تصعيدٍ إقليميٍ أوسع.


الترحيب الذي سُجّل باسم دول ووزراء خارجية لم يكن بالضرورة صك موافقة نهائية على كل بنود الخطة. كثيرٌ من هذه البيانات ركّزت على بندين: وقف النار الفوري وإطلاق سراح الرهائن. هذا ترك المجال مفتوحًا أمام تأويلاتٍ لاحقة؛ إذ قد يكون الترحيب محاولة لشراء وقتٍ إنسانيّ أو علامة على توازنات دولية جديدة، لا تصديقًا بلا شروط لحلٍ يُغيّر حقوق الناس ومدى سيادة مؤسساتهم.


لأن التحوّل الحقيقي يُقاس بما يحدث على الأرض: هل ستُنزع الأسلحة فعليًا؟ من سيضمن ألا تُستغل المرحلة المؤقتة لفرض سياسات تُقوّض حقّ تقرير المصير؟ هل توجد آليات محايدة وشفافة للتحقق من تنفيذ البنود؟ غياب مثل هذه الضمانات يجعل من «الترحيب» غطاءً محتملا لحلولٍ تُضعف القدرة الفلسطينية على الاستمرار كمشروع سياسي ووطني.


في النهاية، لا تُقاس نجاحات أو إخفاقات الصفقات بصخب المؤتمرات الصحفية، بل بكمّية الألم التي توقِفها. إنسان غزة لا يطلب تغييرات خطابية؛ يريد أن يتوقف القتل الآن، أن تدخل المساعدات بلا عقبات، وأن تعود له كرامته وحريته في التنقّل والحياة اليومية. أي خطة تختزل هذا الشرط في بندٍ ثانوي هي خطة ناقصة لا تستحق إلا شكًا وحرصًا مضاعفًا.


الترحيب الدولي بالخطة لا يعني بالضرورة موافقة نهائية أو استسلامًا مطلقًا؛ هو غالبًا خلط بين رغبة إنسانية عاجلة (وقف النار وإطلاق الرهائن) ومناورات دبلوماسية للحفاظ على توازنات علاقات كبرى. لكن إن تحوّل الترحيب إلى تنفيذ عملي يُلغى بموجبه هياكل القرار الفلسطيني ويُستبدل بسيطرة خارجية من دون ضمانات، فحينها يصبح الترحيب استسلامًا واقعيًا. ومقياس الحقيقة الوحيد سيظل دائمًا: ماذا يحدث لأرواح الناس وكرامتهم؟ إن لم تتوقف وسائل القتل وتُفتح المعابر وتُعاد الحقوق، فستبقى كل العناوين الكبيرة مجرد موسيقى خلف مقابر جديدة.

  • – م. غسان جابر – مهندس و سياسي فلسطيني – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية – نائب رئيس لجنة تجار باب الزاوية و البلدة القديمة في الخليل.

شاهد أيضاً

البحرية الإسرائيلية تعترض أسطول الصمود المتجه لكسر الحصار عن قطاع غزة

البحرية الإسرائيلية تعترض أسطول الصمود المتجه لكسر الحصار عن قطاع غزة

شفا – اعترضت البحرية الإسرائيلية، مساء اليوم الأربعاء، أسطول الصمود المتجه لكسر الحصار عن قطاع …