12:26 مساءً / 22 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

الاعتراف بالدولة الفلسطينية ، الدبلوماسية السعودية في لحظة فارقة ومسؤوليات البيت الفلسطيني ، بقلم : المهندس غسان جابر

الاعتراف بالدولة الفلسطينية ، الدبلوماسية السعودية في لحظة فارقة ومسؤوليات البيت الفلسطيني ، بقلم : المهندس غسان جابر

الاعتراف بالدولة الفلسطينية: الدبلوماسية السعودية في لحظة فارقة ومسؤوليات البيت الفلسطيني ، بقلم : المهندس غسان جابر

الحدث الذي يتجاوز ذاته

هناك أحداث في التاريخ تبدو في ظاهرها مجرد قرارات سياسية، لكنها تحمل في باطنها إشارات إلى تحولات أعمق بكثير. الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل المملكة المتحدة وأستراليا وكندا والبرتغال هو من هذه الأحداث. ليس مجرد بيان دبلوماسي يُضاف إلى أرشيف طويل من التصريحات، بل هو انعكاس لتبدل في المزاج الدولي تجاه القضية الفلسطينية، ونتاج لحراك عربي – تتقدمه المملكة العربية السعودية – استطاع أن يضع فلسطين مجددًا في صدارة النقاش العالمي.

أولاً: من اعترافات التضامن إلى اعترافات السياسة

منذ عقود، عرف الفلسطينيون موجات من الاعتراف الدولي. دول كثيرة من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وقفت إلى جانب الحق الفلسطيني، بدافع التضامن مع شعب يرزح تحت الاحتلال. لكن الجديد في الاعترافات الأخيرة أنها جاءت من قلب العالم الغربي، من دول ارتبطت تاريخيًا بتحالفات وثيقة مع إسرائيل والولايات المتحدة.
حين تتخذ لندن قرار الاعتراف، فإن ذلك لا يعني فقط تحولًا في سياستها، بل تراجعًا عن إرث تاريخي بدأ بوعد بلفور عام 1917. وحين تلحق بها كانبرا وأوتاوا ولشبونة، فإن الرسالة واضحة: لم يعد ممكنًا أن يُدار الظهر للفلسطينيين، ولا أن تُترك معاناتهم خارج حسابات الشرعية الدولية.

ثانيًا: السعودية – ثبات في الهدف وتجديد في الوسائل

القضية الفلسطينية لم تكن يومًا بعيدة عن الموقف السعودي. من قمة فاس عام 1982، حيث طُرح مشروع سلام تاريخي، إلى مبادرة السلام العربية عام 2002، كانت الرياض تؤكد أن فلسطين ليست ملفًا عابرًا بل جوهر الصراع في المنطقة.


لكن ما يميز الدور السعودي اليوم أنه تحرك بأدوات جديدة. لم يعد الدعم محصورًا في التمويل أو المواقف العلنية، بل صار فعلًا دبلوماسيًا نشطًا يمتد إلى العواصم الكبرى. المملكة تتحدث مع الغرب بلغة المصالح، وتوظف ثقلها في الطاقة والاقتصاد والدين لتقول: لا استقرار في الشرق الأوسط دون حل عادل للقضية الفلسطينية.


بهذا المعنى، فإن الاعترافات الأخيرة لا يمكن فصلها عن الجهد السعودي. لم تكن النتيجة المباشرة لوساطة واحدة، بل ثمرة مسار طويل من الحوارات والضغوط، ومن إعادة وضع فلسطين في قلب جدول الأعمال الدولي.

ثالثًا: الاعتراف خطوة… لكنه ليس الدولة

الاعتراف الدولي، مهما بلغ وزنه، يبقى نصًا على الورق ما لم يُترجم إلى وقائع على الأرض. والتجربة الفلسطينية خير شاهد: عشرات القرارات الأممية صدرت، لكنها بقيت معلقة أمام قوة الاحتلال الإسرائيلي وقدرته على فرض سياسة الأمر الواقع.


إسرائيل تواصل الاستيطان بلا توقف، وتُحكم حصارها على غزة، وتبقي الاقتصاد الفلسطيني رهينة لسياساتها. في ظل ذلك، تبدو الاعترافات الدولية كإعلان نوايا أكثر منها التزامًا فعليًا، ما لم يترافق معها ضغط دولي حقيقي وقدرة فلسطينية على استثمارها.

رابعًا: البيت الفلسطيني – مسؤوليات لا مفر منها

الواقع الفلسطيني نفسه لا يقل تعقيدًا. فمنذ سنوات يعيش الفلسطينيون انقسامًا سياسيًا بين الضفة الغربية وغزة، أضعف الموقف الوطني وأعطى إسرائيل ذريعة لتكرار مقولتها: “لا يوجد شريك”.


إلى جانب الانقسام، هناك غياب لاستراتيجية موحدة. كل فصيل يتحرك وفق حساباته، والسلطة الفلسطينية تبدو في كثير من الأحيان أسيرة إدارة الأزمات اليومية بدل رسم رؤية بعيدة المدى. ثم هناك أزمة الشرعية والتمثيل، حيث مؤسسات لم تُجدَّد بالانتخابات منذ سنوات طويلة، مما أضعف ثقة الناس في قياداتهم.


هذه التحديات لا يمكن تجاوزها إلا بمراجعة جادة: تجاوز الانقسام، تجديد الشرعيات عبر انتخابات حرة، ورسم برنامج وطني موحد يترجم الاعترافات الدولية إلى قوة على الأرض.

خامسًا: نحو استراتيجية متعددة الأبعاد

اللحظة الراهنة تفرض على الفلسطينيين بناء استراتيجية شاملة لا تعتمد على مسار واحد، بل تجمع بين عدة أدوات:

الدبلوماسية: البناء على الاعترافات لتوسيع القاعدة الدولية، واستهداف دول أوروبية أخرى للانضمام إلى الموجة.

القانون الدولي: استخدام هذه الاعترافات كأساس لملاحقة إسرائيل في المحاكم الدولية وتحويلها إلى التزامات قانونية.

الاقتصاد: تطوير اقتصاد مقاوم يقلل التبعية لإسرائيل، ويفتح أبواب الشراكات مع الدول العربية والدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية.

المقاومة الشعبية السلمية: تنظيم احتجاجات واسعة وسلمية تضع الاحتلال تحت عين الإعلام العالمي، وتربط بين الموقف الدولي والفعل على الأرض.

الثقافة والإعلام: إعادة صياغة الرواية الفلسطينية لتُقدَّم كقضية عدالة إنسانية، لا كملف نزاع محلي فحسب.

سادسًا: الدعم الخارجي لا يغني عن القدرة الذاتية

الدعم العربي، وفي مقدمته السعودي، يظل عنصرًا حاسمًا، لكنه لا يغني عن بناء القدرة الذاتية. العالم يمكن أن يمنح الاعتراف، ويمكن أن يصدر البيانات، لكن الدولة لا تُبنى إلا بإرادة أبنائها وتنظيمهم وقوتهم الاقتصادية والسياسية.
إن الاعترافات الدولية تُشبه الضوء الأخضر، لكنها لن تتحول إلى طريق ممهد ما لم يتقدم الفلسطينيون خطوة إلى الأمام.

سابعًا: لحظة لا يجوز تفويتها

ما جرى مؤخرًا يفتح نافذة تاريخية نادرة. الاعترافات تتوالى، الدعم العربي حاضر، والرأي العام الدولي بات أكثر انفتاحًا على الرواية الفلسطينية. لكن التاريخ علّم الفلسطينيين أن مثل هذه اللحظات لا تدوم طويلاً. إما أن تُستثمر بسرعة وذكاء، أو تضيع في متاهات الانقسام والصراع الداخلي.

الدولة بين الممكن والمستحيل

الاعتراف بالدولة الفلسطينية من دول كبرى ليس نهاية الطريق، بل بدايته. إنه خطوة مهمة على طريق طويل، لكنه يطرح سؤالًا جوهريًا: هل يملك الفلسطينيون القدرة على تحويل هذا الاعتراف إلى واقع سياسي؟


المملكة العربية السعودية قدمت نموذجًا لدبلوماسية نشطة، أثبتت أن العرب قادرون على التأثير حين تتوفر الإرادة. أما الفلسطينيون، قيادة وفصائل، فهم اليوم أمام اختبار تاريخي: أن يتجاوزوا خلافاتهم، أن يوحدوا صفوفهم، وأن يرسموا استراتيجية تليق بتضحيات شعبهم.


إن الدولة الفلسطينية لن تولد بقرار دولي وحده، ولا بمبادرة عربية وحدها، بل بمزيج من الاثنين: دعم خارجي واعتراف دولي، مقرونًا بقدرة فلسطينية داخلية على البناء والتحمل. تلك هي المعادلة التي تجعل المستحيل ممكنًا، وتحوّل الاعتراف من مجرد نص إلى واقع، ومن أمل مؤجل إلى حق يتحقق على الأرض.

  • – م. غسان جابر – مهندس و سياسي فلسطيني – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية – نائب رئيس لجنة تجار باب الزاوية و البلدة القديمة في.

شاهد أيضاً

محافظ نابلس غسان دغلس يشارك في اجتماع لجنة العلاقات العامة والنوع الاجتماعي بالمؤسسة الأمنية

شفا – شارك محافظ نابلس، غسان دغلس، اليوم الاثنين، الموافق 22/9/2025 في اجتماع لجنة العلاقات …