
فن الإلقاء والخطابة: مهارة العصر التي لا غنى عنها ، بقلم : نادر سكاكية
في عالمنا المعاصر، أصبحت مهارات العرض والإلقاء من أهم المهارات التي ينبغي للإنسان أن يتقنها. فلم يعد كافيًا أن يمتلك الفرد المعرفة فقط، بل أصبح من الضروري أن يعرف كيف يعرض هذه المعرفة ويقدمها بشكل مؤثر وجذاب. فالإلقاء الجيد ليس مجرد حديث أمام جمهور، بل هو فن التواصل والتأثير، ووسيلة فعالة لنقل الأفكار والمشاعر، وبناء الجسور بين الناس.
الانتشار الواسع لدورات الإلقاء
خلال السنوات الأخيرة، شهدنا انتشارًا كبيرًا لدورات فن الإلقاء والخطابة، حيث بات كثير من الناس يُقبلون على تعلم هذا الفن، مدركين أهميته في الحياة الشخصية والمهنية. فالمعلم يحتاجها في فصله، والموظف في اجتماعاته، ورائد الأعمال في عرض مشروعه، والداعية في منبره، بل وحتى الطالب في تقديم بحوثه.
لكن وسط هذا الانتشار، يبرز سؤال مهم:
هل جميع هذه الدورات فعالة؟ وما المعايير التي يجب أن يعتمد عليها المتدرب في اختيار الدورة المناسبة؟ وكيف يمكنه أن يحوّل ما يتعلمه إلى مهارة حياتية واقعية؟
كيف تميّز دورة الإلقاء الفعالة؟ (نصيحة عملية)
ليست كل الدورات التدريبية مفيدة بالضرورة. فكثير منها يعتمد على الحشو النظري أو المبالغة في الترويج دون محتوى حقيقي. لذا إليك بعض النصائح التي تساعدك على اختيار دورة إلقاء فعالة:
ابحث عن المدرب قبل الدورة:
هل هو شخص ذو خبرة موثوقة؟ هل له أعمال سابقة أو محاضرات منشورة؟ هل يمتلك خلفية أكاديمية أو عملية في الإلقاء؟
تأكد من وجود تطبيق عملي:
الدورات الفعالة لا تكتفي بالمحتوى النظري، بل توفر بيئة للممارسة والتدريب العملي، مثل التحدث أمام الجمهور، وتلقي الملاحظات، وتحليل الأداء.
اقرأ تقييمات المتدربين السابقين:
تجربة الآخرين تكشف الكثير. اقرأ التعليقات وابحث في مواقع التواصل الاجتماعي عن انطباعات المشاركين.
اطلب الاطلاع على محتوى الدورة مسبقًا:
اسأل عن المحاور التي ستُغطى في الدورة، وتأكد أنها تشمل مهارات الصوت، ولغة الجسد، وبناء الثقة، وتنظيم الأفكار.
اختر الدورة التي تمنحك تغذية راجعة حقيقية:
الدورة الجيدة توفر لك ملاحظات بنّاءة من المدرب والزملاء، وتساعدك على تحسين نقاط الضعف.
احذر من الدورات التي تُعدك بالاحتراف خلال يوم أو يومين:
تطوير مهارة الإلقاء يحتاج إلى وقت وتدرّج، فلا تنخدع بالشعارات السريعة.
نصيحة أخيرة:
لا تعتمد فقط على الإعلان أو العنوان الجذاب. استثمر وقتًا في البحث والتحقق، لأن الدورة الجيدة قد تُحدث فرقًا حقيقيًا في حياتك الشخصية والمهنية.
أولًا: ما هو الإلقاء؟
قبل أن نخوض في تفاصيل فن الإلقاء، لا بد أن نفهم معناه بشكل دقيق.
يعرف الدكتور طارق السويدان الإلقاء في كتابه فن الإلقاء بأنه:
“فن إيصال فكرة أو خبر لمجموعة سامعين بأسلوب مقنع.”
بينما يعرّفه علي محفوظ بأنه:
“إرشاد الناس إلى حقائق وإفادتهم في العاجل والآجل.”
ومن هنا نفهم أن الخطابة ليست مجرد كلام يُقال، بل هي رسالة وهدف وفن في العرض والتأثير.
وقد ارتبط فن الإلقاء في الإسلام بشكل كبير بالتبليغ والدعوة، فكان الخطباء يُعلّمون الناس دينهم، ويبلغونهم شرع الله، ويحثونهم على مكارم الأخلاق. وقد برز العديد من الخطباء في الجاهلية والإسلام، وكان من أبرزهم في الجاهلية قس بن ساعدة الإيادي، الذي يُعد من أفصح العرب، ومن أوائل من وقف على المنبر وألقى خطبًا بليغة.
ويقول زِجلر، وهو من خبراء التنمية البشرية:
“أكثر الناس قدرة على الحديث أمام الجمهور هم أكثرهم ذكاء.”
ثانيًا: أهداف الخطابة
لا تُمارس الخطابة لمجرد الحديث أو التسلية، بل لها أهداف سامية وواضحة، من أبرزها:
بيان الدليل والإقناع بالحجة.
توضيح الحكمة من موقف أو قضية.
تصحيح المفاهيم الخاطئة.
استكشاف حال الناس وفهم توجهاتهم.
إزالة الشبهات العالقة في الأذهان.
تحفيز الناس على العمل التطوعي والمشاركة المجتمعية.
ثالثًا: فوائد الخطابة
- الفوائد الاجتماعية
نشر الوعي والثقافة: الخطابة ترفع من مستوى الوعي لدى الناس.
تحفيز الناس نحو التغيير الإيجابي.
إقناع الجمهور بقضية معينة.
خلق روح التفاعل الجماعي.
- الفوائد الشخصية
تحسين مهارات التواصل.
بناء علاقات ناجحة ومؤثرة.
اكتساب مهارة تسهم في النجاح المهني والاجتماعي.
رابعًا: كيف تحوّل ما تعلمته إلى مهارة حياتية؟
التحاقك بدورة تدريبية هو بداية فقط، أما تحقيق المهارة الفعلية فهو مرهون بالممارسة المستمرة. إليك كيف تفعل ذلك:
تمرّن بانتظام: تحدث أمام المرآة أو سجّل نفسك بالفيديو لمراجعة أدائك.
شارك في المناسبات العامة أو الفعاليات المدرسية.
اقرأ الخطب الناجحة وشاهد نماذج مؤثرة من الخطباء المعروفين لتتعلم من أساليبهم.
اطلب آراء الآخرين وتقبل النقد البنّاء.
اجعل الخطابة جزءًا من حياتك اليومية، سواء في الاجتماعات أو المناقشات أو العروض.
الخاتمة
فن الإلقاء والخطابة ليس ترفًا، بل هو حاجة أساسية في عالم التواصل اليوم. ومن لا يتقنه، سيجد صعوبة في التعبير عن أفكاره، وإقناع الآخرين، وتحقيق التأثير الذي ينشده.
ولذلك، من الضروري أن نحرص على تطوير هذه المهارة، من خلال التعلم والممارسة والتقييم الذاتي المستمر.
الإلقاء الناجح لا يحتاج فقط إلى صوت جميل أو كلمات منمقة، بل يحتاج إلى صدق في النية، ووضوح في الفكرة، وحرص على التأثير الإيجابي.
فابدأ اليوم، ولا تتردد في أن تكون الخطيب الذي يلهم، ويقود، ويُحدث الفرق.