3:43 مساءً / 21 ديسمبر، 2025
آخر الاخبار

بين وعي القرار وصحة التقدير ، بقلم : محمد علوش

بين وعي القرار وصحة التقدير ، بقلم : محمد علوش

تبدو الساحة الفلسطينية اليوم كلوحة ضخمة من الألم والأمل، حيث تتشابك خيوط التاريخ بألوان الحاضر، وتتقاطع فيها الرياح الداخلية مع الأعاصير الخارجية، فيما تتناثر الأصوات كالرياح، بعضها يحمل بذور البناء والتقويم، وبعضها الآخر يحمل سموم الانقسام والارتباك، وفي هذا الواقع المركب، يصبح لكل فلسطيني، سواء كان مواطناً عادياً أو قائداً ملتزماً، واجب صعب ومقدس في الوقت ذاته: القدرة على التمييز بين صوت الحقيقة وصوت الضجيج، وبين الموقف الواعي الذي يخدم الشعب والقضية، وبين الموقف الانفعالي الذي يفتت وحدتها، وبين الخطوة التي تبني المستقبل والخطوة التي تهدر الجهد والهمم.


الوعي السياسي الحقيقي ليس مجرد متابعة للأحداث أو إدراك للظروف العابرة، بل هو فن قراءة مسارات التاريخ مع تداعيات الحاضر، وفهم القوى الخفية التي تتحرك خلف الأحداث، والتنبؤ بتأثير كل موقف على وحدة الشعب وقدرته على الصمود والبقاء، وكل كلمة تقال، وكل قرار يتخذ، مهما بدا صغيراً، يحمل في طياته أثراً بعيد المدى على اللحمة الوطنية وعلى قدرة الشعب على مواجهة التحديات الكبرى، والانجرار وراء الأصوات الهدامة، مهما بدت صاخبة أو مغرية، ليس مجرد خطأ عابر، بل اختيار قد يفتح ثغرات في الجبهة الداخلية، ويضعفنا في مواجهة القوى التي تحاول اقتلاع قضيتنا من جذورها، والقلاع الوطنية لا تنهار بفعل العدو الخارجي وحده، بل تتداعى أولاً من الداخل حين يضعف الوعي ويهتز الانضباط الوطني.


التمييز بين النقد البنّاء والهجوم المدمّر يصبح حجر الزاوية لأي وعي سياسي سليم، فالنقد البناء يفتح آفاق التصويب والتقويم ويقوي مناعة المجتمع وفاعليته، بينما الهجوم الموجّه لتحقيق مصالح شخصية أو أجندات خارجية يهدد اللحمة الداخلية ويفتح أبواب الانقسام، والقدرة على التفريق بين الاثنين ليست رفاهية فكرية، بل مقياس نضج الشعب ووعي الفرد بمسؤولياته تجاه وطنه، وإثبات أن الحرية في الرأي لا تعني التفريط في الوحدة أو التفكك في الهدف.

وعلى مستوى أوسع، يصبح الوعي الجماعي والتضامن الوطني أكثر من ضرورة؛ إنه القوة التي تصون شعبنا من الانزلاق في هاوية الفوضى، وكل موقف محسوب، وكل صوت مسؤول، يشكل جداراً صامداً أمام محاولات التشويه والتحريض، ويعزز من المناعة الوطنية أمام مؤامرات الداخل والخارج، وكل لحظة تردد أو انفعال غير محسوب تفتح الباب لمن يسعى لتقويض الجبهة الداخلية، ليصبح الشعب وارادته أكثر هشاشة أمام التحديات الكبرى التي تحيط بها.


الموقف السياسي الواعي ليس رفاهية فكرية، بل ضريبة تفرضها القضايا الكبرى وضرورة صون الحقوق، إنه الدرع الذي يحمي المشروع الوطني، والمنارة التي تهدي الشعب وسط عواصف التحريض والتشتت، وكل قرار يتخذ، يجب أن ينبع من عقلانية عميقة وفهم متجذر لمسار التاريخ وأثره على المستقبل، فالفرق بين الانتصار والفوضى، وبين الوحدة والانقسام، ليس في صخب الأصوات أو كثرة الشعارات، بل في وعي القرار وصحة التقدير.


يبقى الواجب الوطني أعظم من أي صوت هدّام، وأقوى من أي حملة لتزييف الحقائق، ووعي الموقف السياسي هو الحصن الحقيقي الذي يحمي الشعب والقضية، وهو القوة التي تبني صمود الشعب الفلسطيني، وتضمن أن تبقى حريته وحقوقه وطموحاته المشروعة في متناول يديه، مشرّعة الأفق نحو مستقبل الوحدة والكرامة، مهما تعقدت الظروف وتعاظمت التحديات، مؤكداً أن القلاع لا تهدم إلا حين يضعف صمود الداخل قبل أن ينهار الخارج.

شاهد أيضاً

الصين : بكين : شلال هويوي الجليدي يمنح برودة منعشة

الصين : بكين : شلال هويوي الجليدي يمنح برودة منعشة

شفا – قدم شلال هويوي الجليدي في نانكو، الواقع في حي تشانغبينغ ببكين في الصين …