11:38 مساءً / 17 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

قراءة وجدانية في رواية “ذائقة الموت” ، بقلم : رانية مرجية

قراءة وجدانية في رواية “ذائقة الموت” ، بقلم : رانية مرجية

منذ أن فتحتُ الصفحات الأولى لرواية ذائقة الموت لأيمن العتوم، شعرت أنّني ألجُ عتبةً أخرى، بابًا يفضي إلى عالمٍ تتقاطع فيه الرهبة مع السحر، وتتجاذب فيه الروح بين يقين الفناء ولهفة البقاء. لم تكن هذه الرواية مجرّد نصٍّ أدبي، بل كانت صلاة طويلة، تتلوها الروح وهي ترتجف أمام عظمة السؤال الأزلي: لماذا نُولد إذا كنا سنموت؟

بين الموت والحبّ

أيمن العتوم لم يتحدث عن الموت كحدثٍ بيولوجيّ عابر، بل جعله كائنًا يسكننا ويطاردنا، ويمشي معنا في كل لحظة. في المقابل، كان الحبّ عنده أشبه بيدٍ ناعمة تمسح على رأس اليتيم الوجودي بداخلنا. الحبّ عند العتوم ليس نزوة عابرة، بل هو احتجاج صاخب على حتمية الزوال، وهو المعادل الوجودي الذي يمنح لحياتنا طعمًا آخر، طعمًا يخفف مرارة الفناء.

اللغة بين الشعر والفلسفة

ما يدهشني في هذه الرواية أنّها مكتوبة بلغة أقرب إلى البوح الشعري منها إلى السرد الروائي. الجملة عند العتوم لا تسير على الأرض، بل تحلّق. كل كلمة فيها مشبعة بروح القصيدة، وكل صفحة أشبه بمناجاة متعبة بين إنسانٍ وموته. أحيانًا تشعر أنّك تودّ أن تضع الكتاب جانبًا لتلتقط أنفاسك، ثم تعود لتنهل من هذا السيل العارم من الصور البلاغية والاستعارات.

البعد الفلسفي

الرواية تحفر عميقًا في الأسئلة: ما الموت؟ ما الروح؟ ما الغاية من رحلة تنتهي حتمًا عند قبر؟ العتوم يكتب لا ليمنحنا إجابات، بل ليُربكنا أكثر، وليجعلنا نتصالح مع السؤال ذاته. هنا يكمن جمال الرواية ووجعها معًا: أنّها لا تُرضي القارئ بجوابٍ سهل، بل تتركه معلّقًا بين دهشة الحياة ورهبة الموت.

أثر الرواية في القارئ

أستطيع القول إنّ ذائقة الموت ليست رواية للتسلية أو لقضاء وقتٍ لطيف، بل هي تجربة وجودية كاملة. من يقرأها بسطحية سيشعر بالثِقل وربما بالملل، أما من يغوص فيها، فسيخرج مثقلاً بالأسئلة، وقد تغيّر نظرته للحياة والموت معًا. هي رواية تُجبرك على مواجهة نفسك، وقلّما يفعل الأدب ذلك.

كلمة أخيرة

في ذائقة الموت، ينجح أيمن العتوم في أن يجعل من الحروف معركة بين الحياة والموت، بين الصمت والصراخ، بين الحبّ والعدم. رواية كتبت بالدمع أكثر مما كتبت بالحبر، وهي أشبه بمرايا تنكسر في وجه القارئ لتُريه شظايا ذاته المبعثرة.

إنها ليست رواية للقراءة فقط، بل هي رواية للعيش، للمساءلة، وللتأمل الطويل في معنى أن نكون أحياء ونحن نحمل في أعماقنا توقيع موتنا

شاهد أيضاً

محافظ الخليل يستقبل رؤساء القلم ودوائر الإصلاح والإرشاد الأسري في المحاكم الشرعية

شفا – استقبل عطوفة محافظ الخليل السيد خالد دودين ظهر اليوم رؤساء القلم ورؤساء دوائر …