
مؤتمر الحمام الذي وقّع للثعلب صكّ البراءة ، بقلم : د. وليد العريض
الغابة التي لا يُستجاب فيها الدعاء(24)
في ليلةٍ كانت فيها النار تلتهم أعشاش العصافير ودمٌ طاهر يسيل على أطراف الوادي، اجتمعت حيوانات الغابة لتناقش مصيرها. كان الكل يعرف أنّ الذئب هو الجاني ومع ذلك جلسوا حول المائدة يوزّعون الأدوار: من يندّد ومن يشجب ومن يكتفي بالتصفيق.
في يوم قائظ اجتمعت حيوانات الغابة في مؤتمر كبير.
الحمام جلس في الصفوف الأولى، رافعًا أغصان الزيتون وهو يرتجف من الخوف، فيما كانت الضباع تلوك كلمة واحدة بلا ملل: “السلام… السلام…”. ترددت المفردة في القاعة حتى صارت كالنعيق، بلا روح ولا أثر.
الغربان علت في السماء لتزخرف الخطابات وهي تدرك أن فراخ العصافير تُذبح في أعشاشها
وأن الدم يسيل في الجداول، لكنّها وجدت في الصدى أكثر أهمية من الحقيقة.
أما الثعالب فلم تُكثر من الكلام. جلست في الأركان وهي تعدّ ما قبضته من الذئب مقابل بيع المراعي. كلّ ما يهمها أن تُحافظ على قربها من العرش ولو كان الثمن روح الغابة كلها.
وعندما ارتفعت أصوات البومة العجوز تحذّر وتبكي: “اتقوا الله في هذه الغابة… وعند ربّ الغابة تلتقي الخصوم” غطّى الضجيج صوتها وضاع في تصفيق المنافقين.
خرج البيان الختامي كما هو متوقع: شجبٌ وإدانة ودموع تماسيح وصورة جماعية للذكرى.
ابتسم الذئب وهو يلعق دماء العصافير، ثم التفت إلى العالم هامسًا:
كلمة مني تساوي أصواتهم جميعًا.
وفي ذلك المساء كتبت الريح على جدران الغابة:
سلام الغربان ودماء العصافير.