11:17 مساءً / 17 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

قراءة في قصيدة “ماذا لو رمت الشمس عمامتها” للشاعرة ريما حمزة ، بقلم : رانية مرجية

قراءة في قصيدة “ماذا لو رمت الشمس عمامتها” للشاعرة ريما حمزة ، بقلم : رانية مرجية

مدخل: الشعر كفعل مقاومة

قصيدة “ماذا لو رمت الشمس عمامتها” للشاعرة ريما حمزة نصّ يتجاوز حدوده اللغوية ليصبح مرآة دامية للواقع العربي والإنساني. النص لا يقدّم مشهدًا شعريًا باردًا، بل يفتح جرحًا على اتساعه، ويضع القارئ أمام السؤال المزلزل: ماذا يحدث حين تفقد الرموز الكبرى قداستها، وتُخلع العمائم عن شمسٍ كان يفترض أن تنير؟

الرمزية الكبرى: سقوط العمامة

صورة الشمس التي ترمي عمامتها ليست محض استعارة، بل إعلان عن فضيحة الزمن. الشمس التي يفترض أنها مطلقة، كاشفة للحقيقة، تُعرّي نفسها من رمزيتها. العمامة هنا تمثل الغطاء، السلطة، وربما القداسة. خلعها فعل احتجاجي، يكشف هشاشة المقدسات حين تتحول إلى أقنعة، ويعلن أن العري أصدق من التزويق.

المدينة والذاكرة الجماعية

المدينة تُوصف بأنها “جوريّة ناجية من اغتيال الأسئلة العذراء”. إنها وردة خرجت من المحرقة، لكنها وردة جريحة. الأسئلة العذراء اغتيلت، والآه مفضوحة في لهجات الخرس. المدينة ليست مكانًا جغرافيًا فقط، بل ذاكرة مثقوبة، محمولة على رماد كربلاء الذي يظل حاضرًا كجرح أبدي، يعيد إنتاج الشهادة والفقد.

البنية النفسية للنص

منذ الجملة الأولى: “خارج كل النصوص بعضي يلم بعضي”, نواجه ذاتًا منكسرة تحاول التماسك وسط الفوضى. الانشطار الداخلي واضح: جزء يلمّ جزءًا آخر، لكنها عملية ترقيع لا شفاء.

الاغتراب: الذات معلّقة بين حب ضائع وواقع دامٍ.

الخذلان: “أصفار على شمال الحب” تكثيف لحالة العدمية، حيث التضحية بلا جدوى.

الفقد: الشباب الذين لم يُمهلهم ملاك الحلم، الزفاف الأبيض الذي يغصّ بالتراب، الألفة التي تضيق حتى تختنق.

اللغة والصور: بلاغة الدم والرماد

الوردة دم يرشح من خاصرة الجبل.

الأبيض يتحول من رمز النقاء إلى كوفية شيخٍ مهزوزة، إلى كفن شباب، إلى زفاف ملوث بالتراب.

النبوءة تجلب المجاعة، والتوبة تتحول سرقة، والمصحف يُختطف ليُكتب به نص مزيّف.

بهذه الانزياحات، تعيد الشاعرة ريما حمزة صياغة المعاني المألوفة، فتقلبها رأسًا على عقب. البلاغة هنا ليست للزينة، بل لفضح الخراب.

المحور السياسي والديني

أكثر مقاطع النص جرأة: “سرقوا مصحفًا ليبدؤوا بنص نظيف”. إنها صرخة ضد المتاجرة بالمقدس، وضد استغلال النصوص السماوية لتبرير الدم. هنا يظهر النقد السياسي والديني عاريًا: القداسة تُنهب، النصوص تُدنس، والتوبة نفسها تتحول إلى خدعة.

البعد الكوني

النص لا يكتفي بالإحالة إلى الذاكرة الإسلامية (كربلاء، إخوة يوسف)، بل ينفتح على الرمزية البوذية (جمع الرماد). هذا التداخل يجعل النص عالميًا، يربط القارئ في أي مكان بمأساة إنسانية كبرى. إنها قصيدة عن الحرب، عن الخراب، عن العبثية التي يتشاركها الشرق والغرب، الجنوب والشمال.

البعد الوجودي: الشعر كمساحة خلاص

وسط هذا الخراب، يظل الشعر حاضرًا. تقول الشاعرة ريما حمزة: حتى حين يُلغى الضوء، ويأتي الشعراء ليُدحضوا قوافيهم جرحًا جرحًا، فإن الشعر لا يموت. إنه يتحول إلى القلعة الأخيرة في مواجهة النسيان، وإلى لغة قادرة أن تشهد على ما حدث.

خاتمة: بيان للشعر والإنسان

قصيدة “ماذا لو رمت الشمس عمامتها” للشاعرة ريما حمزة ليست مرثية محلية، بل بيان عالمي. إنها احتجاج على ثقافة الموت، وعلى التلاعب بالمقدسات، وعلى سرقة الحلم من الشباب. قصيدة تُذكّرنا أن الشعر ليس ترفًا بل ضرورة، وأن الكلمة هي الملاذ الأخير في مواجهة العدم.

هذا النص يصلح للنشر في صحيفة عالمية لأنه يطرح أسئلة كونية: كيف يعيش الإنسان حين تُغتال أسئلته العذراء؟ كيف نحافظ على المعنى إذا صار المقدس سلعة في سوق الخراب؟ وكيف نكتب نصًا نظيفًا في عالمٍ ملوث بالدماء؟

إنها ليست قصيدة تطلب عزاءً، بل نصّ يوقظ، يجرح ليُبصر، ويضع القارئ أمام مسؤوليته الأخلاقية: أن يشهد، وأن لا يصمت .

ماذا لو رمَتِ الشمسُ عمامتَها

خارجَ كلِّ النصوصِ
بعضي يلمُّ بعضي
مدينتي .. جوريّةٌ ناجيةٌ
من اغتيالِ الأسئلةِ العذراءِ
مفضوحةُ الآه في لهجاتِ الخَرسِ
مِنْ هنا مرَّ شياطينُ النارِ
خيولُهمْ غادرتِ الفجرَ
إلّا من غبارِ كربلاءَ
محرقتُهم
أصفارٌ على شِمالِ الحبِّ
هذي القرابينُ ذهبتْ بقلبيَ للشتاتِ
أمْ هل لديكم تعريفٌ آخَرُ !!!.
لتتارِ الدمِ المشتهى في كؤوسِ الفاجعةِ ،
لنزواتِ الموتِ الثّمِلِ لِما بعدَ النهاياتِ !!!.
ظلُّهم ألغى الضوءَ
وأتى بالشعراءِ ليدحضَ قوافِيَهم جُرحاً جُرحاً …
فما الوردةُ إلّا دمٌ يرشحُ من خاصرةِ الجبلِ
وما الأبيضُ إلّا كوفيةُ شيخٍ تهتزُّ في مهبِّ الخوفِ،
وأكفانُ شبابٍ لم يُمهِلْهم ملاكُ الحلمِ ،
أبيضُ الزفافِ الذي غصّ بجدائلهِ الترابَ ،
تقولُ النبوءةُ :
ستشحُّ حنطتُكُمْ يا أخوةَ يوسفَ
ويعرفُكُمُ العزيزُ
ضاقتْ …ضاقتْ معاطفُ الألفةِ
وباتتِ الليلةُ تتعذبُ كثيراً كي تلدَ نجمةً
فاجمعوا رمادَكمْ على الطريقةِ البوذيةِ
ولا تغرزوا قطبةَ السؤالِ أكثرَ
فعندما قرروا التوبةَ
سرقوا مصحفاً
ليبدأوا بنصٍّ نظيفٍ .. .

شاهد أيضاً

محافظ الخليل يستقبل رؤساء القلم ودوائر الإصلاح والإرشاد الأسري في المحاكم الشرعية

شفا – استقبل عطوفة محافظ الخليل السيد خالد دودين ظهر اليوم رؤساء القلم ورؤساء دوائر …