
شفا – حوار أجرته الناشطة التونسية أليفة لزرق لصالون شعراء الأدب العربي مع الكاتبة قمر عبد الرحمن :
نص الحوار :
- ما هي أول صورة عن فلسطين تشكّلت في ذاكرتك الطفولية؟ وهل ما زالت تلهمك في كتاباتك؟
أول صورة كانت شجرة التين وكروم العنب في فناء بيت جدي في مدينة الخليل، حيث نثرت الأرض عبيرها على طفولتي. تلك الشجرة لم تكن مجرد نبات، بل كانت وطنًا صغيرًا يحرسني. وما زالت تلهمني، كلما كتبتُ شعرت أنني أعود لأقطف ثمرة من هناك. - هل تعتقدين أن المكان يُصبح شريكًا في كتابة القصيدة؟ كيف تحضر فلسطين كمكان في شعرك؟
المكان في شعري ليس ديكورًا، بل روحٌ ثانية. فلسطين تحضر كنبض في اللغة، كظلّ في الحلم، كقلب يمدّني بالحياة. والخليل، حيث نشأت، تحمل في شوارعها عبق التاريخ والأسواق القديمة وجبالها الشامخة، كلها لها حضورٌ حيّ يرافقني في كل قصيدة. - ما دور الطبيعة الفلسطينية في تشكيل اللغة الشعرية لديكِ؟ هل هناك رموز طبيعية تكررينها عمدًا؟
الطبيعة الفلسطينية هي معجمي الأول: التين، الزيتون، اللوز، الزعتر، شقائق النعمان، البحر.. الخليل بجبالها والقدس بجبروتها وغزة بصمودها تمنحني هذه الرموز، أستدعيها مرارًا لأنها ليست مجرد رموز، بل شيفرات هوية لا تزول. - هل كتبتِ عن فلسطين من زاوية الحنين فقط، أم أنكِ تحاولين تقديم فلسطين بصورة أخرى، مختلفة عن السائد؟
الحنين يسكنني، لكنني لا أكتب عن فلسطين كذكرى بعيدة فقط، بل كحاضر يتنفس، وكأفق مفتوح للمستقبل. أكتبها كقوة، لا كجرح فقط. - أي الأماكن الفلسطينية تُشبهك؟ وهل هناك مدينة أو قرية تعتبرينها مرآة لقصائدك؟
أشبه القدس في صلابتها ودمعتها، وأشبه غزة في صراعها مع الموج، لكن الخليل، مدينتي، هي مرآة قلبي وذاكرتي الشعرية. كل شوارعها وأزقتها تحملني إلى طفولتي وإلى كل قصيدة كتبتها عن فلسطين. - كيف تتعاملين مع تهمة “التكرار” في الكتابة عن فلسطين؟ وهل الشعر قادر دائمًا على التجديد في هذا السياق؟
فلسطين ليست كلمة عادية لتُستهلك، هي رواية لا تنتهي. قد تتكرر المفردات، لكن كل مرة لها نَفَس جديد، زاوية أخرى، حياة أخرى. وبصراحة الخليل تمنحني دائمًا رؤى جديدة، داخل المألوف وغير المألوف. - من هو الشاعر أو الشاعرة الفلسطينية التي شعرتِ أن فلسطين كانت تتكلم على لسانها؟
محمود درويش أعطى فلسطين لغتها العالمية، وفدوى طوقان جعلتها قلب امرأة. بين الاثنين، وجدتُ الطريق لأكتب فلسطين بصوتي أنا، مستندة دائمًا إلى جمال بلادي وروحها المتفردة. - هل تجدين صعوبة في إيصال صورة فلسطين الإنسانية إلى قارئ غير عربي؟ وكيف تتجاوزين تلك الفجوة؟
أحيانًا. لكن الإنسان يفهم الإنسان. عندما أكتب عن أمّ تخبز تحت القصف، أو عن طفل يطارد فراشة، يفهم القارئ الغريب أن فلسطين ليست خبرًا سياسيًا، بل حياة كاملة. - هل يمكن للقصيدة أن تحافظ على فلسطين في الذاكرة الجمعية، أكثر من الكتب التاريخية؟
التاريخ يوثّق، أما القصيدة فتضيء القلب. ما يبقى في الذاكرة ليس التاريخ الجامد، بل الدمعة والابتسامة والأغنية والذكرى، وهذا ما تفعله القصيدة، تمامًا كما تفعل شوارع وطبائع الخليل بي. - في شعركِ، هل تتجلى فلسطين كوطن، أم كامرأة، أم كذاكرة؟ أم تراها مزيجًا من كل ذلك؟ وكيف تنعكس هذه الصور في تجربتك الشعرية؟
فلسطين عندي مزيج من كل ذلك: وطن أحمله على ظهري، وامرأة تهمس لي، وذاكرة تضيء ظلامي. أكتبها كطيف يبدّل وجوهه: مرة كحبيبة غائبة، مرة كأمّ تحتضنني، ومرة كمدينة تصلي بصمت. والخليل مدينتي، تتسلل في كل هذا؛ كل زاوية فيها، كل صخرة، كل سوق قديم، يحمل صدى قصائدي، ومع ذلك، تظلّ صورة فلسطين أكبر من أي كلمات.