9:00 مساءً / 22 ديسمبر، 2025
آخر الاخبار

بعد 80 عاما، يجب على العالم حماية النظام الدولي لما بعد الحرب وانتصار الحرب العالمية الثانية

بعد 80 عاما، يجب على العالم حماية النظام الدولي لما بعد الحرب وانتصار الحرب العالمية الثانية

شفا – بكين 22 ديسمبر 2025 (شينخوا) قبل 80 عاما، حقق العالم انتصارا عظيما في الحرب ضد الفاشية. فقد سحقت البشرية القوى الفاشية، ودافعت عن الحضارة الإنسانية، بفقد عشرات الملايين من الأرواح، وفي خضم دمار الحرب، تأسس النظام الدولي لما بعد الحرب وفي القلب منه الأمم المتحدة على أمل منع الكوارث المستقبلية.

ومع احتفال العالم بالذكرى الـ80 لانتصار الحرب العظمى، اختارت رئيسة وزراء اليابان ساناي تاكايتشي السير ضد تيار التاريخ. ففي حديث أمام البرلمان الياباني، ربطت ما أسمته “الوضع الذي يهدد بقاء اليابان” بـ”حالة الطوارئ في تايوان”، في إشارة ضمنية إلى استخدام القوة ضد الصين.

وقد أثارت تصريحاتها صدمة وقلقا واسعين؛ إذ أن هذه التصريحات لا تمثل فقط تدخلا صارخا في الشؤون الداخلية للصين، بل تمثل أيضا تحديا علنيا للنظام الدولي لما بعد الحرب، وتوجه رسالة بالغة الخطورة ومضللة إلى العالم.

وبالنسبة لكل من يقدّر السلام، فإن قناعتهم واضحة: إن الجهود لتبييض تاريخ العدوان وتقويض النظام الدولي لما بعد الحرب أو التلاعب بإحياء النزعة العسكرية، محكوم عليها بمواجهة معارضة حازمة من المجتمع الدولي، ومصيرها الفشل المحتوم. كما أن إرادة الشعب الصيني لحماية السيادة الوطنية ووحدة وسلامة الأراضي إرادة لا تتزعزع، وعزيمته على التمسك بانتصار تحقق بشق الأنفس في الحرب العالمية لمناهضة الفاشية، عزيمة لا تلين.

حقائق تاريخية لا جدال فيها

في متحف نانجينغ في مقاطعة جيانغسو شرقي الصين، تُعرض ساعة حائط قديمة الطراز في صندوق زجاجي، وقد توقفت عقارب الساعة عند الساعة التاسعة، وهي الساعة المصيرية. وعلى وجه الساعة نقش مكتوب عليه “الساعة المستخدمة في مراسم توقيع استسلام اليابان في المسرح الصيني”.

وقد أُقيمت مراسم التوقيع في نانجينغ يوم 9 سبتمبر 1945، حيث سلم ياسوغي أوكامورا، القائد الأعلى آنذاك لجيش الحملة اليابانية في الصين، صك الاستسلام الياباني الرسمي للصين. قبل سبعة أيام، على متن السفينة الحربية الأمريكية “يو إس إس ميسوري” في خليج طوكيو، كان قد وقّع بالفعل وزير الخارجية الياباني آنذاك مامورو شيجميتسو استسلام اليابان لقوات الحلفاء، ومن بينهم الصين.

وكانت هزيمة اليابان نقطة تاريخية محورية أدت إلى بناء النظام الدولي لما بعد الحرب، والذي كرّس عودة تايوان إلى الصين.

وتعد تايوان جزءا من أراضي الصين المقدسة منذ العصور القديمة. وأطلقت اليابان الحرب الصينية-اليابانية الأولى عام 1894، وأجبرت لاحقا حكومة تشينغ على توقيع معاهدة شيمونوسكي غير المتكافئة، ما أدى إلى استعمار اليابان لتايوان لمدة 50 عاما، وهي أحلك مرحلة في تاريخ الجزيرة شهدت انتهاكات لا حصر لها.

وفي ديسمبر 1943، أصدرت الصين والولايات المتحدة والمملكة المتحدة “إعلان القاهرة”، الذي نص على أنه يجب إعادة جميع الأراضي التي سرقتها اليابان من الصين، بما في ذلك تايوان وجزر بنغهو، إلى الصين. وكانت كلمة “إعادة” تدل على الاعتراف بالحقائق التاريخية والادعاء القانوني بأن تايوان كانت أصلا جزءا من الصين.

وفي يوليو 1945، وقعت الدول الثلاث إعلان بوتسدام، الذي اعترف به لاحقا الاتحاد السوفيتي، والذي أكد أنه: “ينبغي تنفيذ شروط إعلان القاهرة، وينبغي أن تقتصر السيادة اليابانية على جزر هونشو وهوكايدو وكيوشو وشيكوكو وبعض الجزر الصغيرة التي نحددها”.

وقد وفرت هذه الوثيقة الملزمة قانونيا أساسا لا يتزعزع لعودة تايوان إلى الصين. وقد تعهدت اليابان في وثائق استسلامها بـ”تنفيذ أحكام إعلان بوتسدام بحسن نية”.

وفي 25 أكتوبر من نفس العام، أعلنت الحكومة الصينية استئناف ممارسة سيادتها على تايوان، أقيمت مراسم قبول استسلام اليابان في مقاطعة تايوان للمسرح الحربي الصيني لقوات الحلفاء في تايبي. ومنذ تلك اللحظة، استعادت الصين تايوان بحكم القانون وبالواقع عبر مجموعة من الوثائق ذات الأثر القانوني الدولي.

وفي أكتوبر 1971، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ26، بأغلبية ساحقة، القرار 2758، والذي قرر إعادة جميع الحقوق إلى جمهورية الصين الشعبية والاعتراف بممثلي حكومتها كممثلين شرعيين وحيدين للصين لدى الأمم المتحدة.

وقد حسم هذا القرار بشكل نهائي القضايا السياسية والقانونية والإجرائية المتعلقة بتمثيل الصين في الأمم المتحدة، وشمل كامل الأراضي الصينية، بما فيها تايوان. كما نص على أن الصين لها مقعد واحد فقط في الأمم المتحدة، فلا وجود لما يسمى بـ”صينين” أو “صين واحدة وتايوان واحدة”.

ولم يقتصر الأمر على هذا، فقد أصبح مبدأ صين واحدة توافقا دوليا ووضع القاعدة السياسية لتطبيع العلاقات بين الصين واليابان. إذ ينص البيان المشترك الصيني-الياباني لعام 1972 صراحة على أن: “حكومة اليابان تعترف بحكومة جمهورية الصين الشعبية باعتبارها الحكومة الشرعية الوحيدة للصين”، وأن “جمهورية الصين الشعبية تؤكد مجددا أن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها. وتتفهم حكومة اليابان هذا الموقف بشكل كامل وتحترمه، وتحافظ عليه بقوة وفقا للمادة 8 من إعلان بوتسدام”.

وقد تم التأكيد على هذا الموقف صراحة في ثلاث وثائق سياسية لاحقة وقّعتها الصين واليابان، وتمثل التزاما رسميا للحكومة اليابانية وواجبات دولية عليها الوفاء بها كدولة مهزومة في الحرب العالمية الثانية.

لذلك، فإن تصريحات تاكايتشي الاستفزازية بشأن تايوان بعد توليها المنصب بوقت قصير تشكل سلسلة من “الأوّليات” لزعيم ياباني منذ الحرب العالمية الثانية. فهذه أول مرة منذ هزيمة اليابان عام 1945 التي يدعو فيها زعيم ياباني، في إطار رسمي، إلى فكرة أن “الطوارئ المتعلقة بتايوان هي طوارئ بالنسبة لليابان” ويربطها بممارسة حق الدفاع الجماعي؛ وأول مرة تعبّر فيها اليابان عن طموحات للتدخل العسكري في مسألة تايوان؛ وأول مرة تُصدر فيها اليابان تهديدا باستخدام القوة ضد الصين.

وتشكّل هذه التصريحات الاستفزازية انتهاكا جسيما للقانون الدولي وللأعراف الأساسية الحاكمة للعلاقات الدولية، وتُقوّض النظام الدولي لما بعد الحرب بشكل خطير، وتخالف روح مبدأ صين واحدة والوثائق السياسية الأربع بين البلدين، كما أنها تضر بالأساس السياسي للعلاقات الصينية-اليابانية وتسيء بشدة إلى الشعب الصيني.

أما ما يسمى بـ “معاهدة سان فرانسيسكو” التي استشهدت بها تاكايتشي، فقد تم إصدراها مستثنية أطرافا مهمة في الحرب العالمية الثانية، مثل جمهورية الصين الشعبية والاتحاد السوفيتي، سعيا لعقد اتفاق سلام منفصل مع اليابان. وتخالف الوثيقة بنود إعلان الأمم المتحدة لعام 1942 الذي وقّعته 26 دولة بما فيها الصين والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والاتحاد السوفيتي، وتخالف ميثاق الأمم المتحدة والمبادئ الأساسية للقانون الدولي.

إن الحقائق التاريخية لا يمكن تغييرها، ووضع تايوان كجزء لا يتجزأ من الصين وضع موثق جيدا، وقابل للتحقق، ومدعوم قانونيا. ولن يتغير هذا الوضع مع مرور الزمن أو يتم إضعافه بفعل مناورات سياسية.

يجب على اليابان مواجهة تاريخها العدواني، والتأمل بعمق في جرائمها، وتقديم اعتذار صادق. إن تصريحات تاكايتشي الخاطئة بشأن تايوان، والمقدمة كرد على ما تسميه “الوضع الذي يهدد بقاء اليابان”، إلى جانب تهديداتها بالتدخل العسكري، تمثل تحديا علنيا لنتائج انتصار الحرب العالمية الثانية، وتسعى أساسا إلى إنكار النظام الدولي لما بعد الحرب وإحياء النزعة العسكرية اليابانية.

شبح العسكرة

إن حقيقة أن اليابان لم تُجر تطهيرا شاملا للأيديولوجيا العسكرية خلال فترة ما بعد الحرب أدت إلى بروز شخصيات مثل تاكايتشي. وعلى مدى عقود، ظلت القوى اليمينية في اليابان تتآمر لاستعادة أجنداتها.

بعد هزيمة اليابان واستسلامها في الحرب العالمية الثانية، كان ينبغي على الدولة — بوصفها المحرّض الرئيسي على العدوان — أن تخضع لمحاسبة شاملة. فقد نص إعلان بوتسدام بوضوح على أنه “يجب القضاء إلى الأبد على سلطة ونفوذ أولئك الذين خدعوا وضللوا الشعب الياباني ودفعوه إلى الشروع في غزو العالم”.

غير أنه مع اندلاع الحرب الباردة، شهدت سياسة واشنطن تجاه اليابان تحولا جذريا — من إضعاف اليابان ونزع سلاحها إلى رعايتها وإعادة تسليحها. ونتيجة لذلك، تُركت عملية تصفية النزعة العسكرية اليابانية غير مكتملة. كما جرى تعليق سياسة كانت تهدف إلى طرد العسكريين من المجالات السياسية والاقتصادية والعامة، ما أتاح لعدد كبير من شخصيات زمن الحرب العودة إلى سدة الحكم.

وتُعد حالة “نوبوسوكي كيشي” المثال الأبرز على ذلك. فقد كان من بقايا النزعة العسكرية، وشغل منصب وزير التجارة والصناعة في حكومة هيديكي توجو، واحتُجز كمشتبه به في جرائم حرب من الفئة “أ”. ومع ذلك، عاد بشكل غير متوقع إلى الحياة السياسية، وأصبح رئيسا لوزراء اليابان عام 1957. وقد شكّل صعوده “إحياء” للقوى العسكرية في اليابان لما بعد الحرب. وعلّق أتسوشي كوكيتسو، الأستاذ الفخري بجامعة ياماغوتشي، بأن النظام السياسي الياباني لما بعد الحرب أُنشئ جزئيا على أيدي من خاضوا حربا عدوانية في السابق، مشيرا إلى أن نفوذهم ما زال قائما حتى اليوم.

ونتيجة لذلك، تشجعت القوى اليمينية في اليابان على التمدد والترسخ. وعلى مدى عقود، عملت هذه القوى على إحياء النزعة العسكرية، وإنكار تاريخ اليابان العدواني، والتحلل من قيود النظام الدولي لما بعد الحرب.

وقد تجلت محاولاتهم في أفعال مثل زيارة ضريح ياسوكوني. فخلال الحرب، كان الضريح أداة للتلقين العسكري، يمجد “الولاء للإمبراطور”. وبعد أن جرى إدراج 14 مجرم حرب من الفئة “أ”، من بينهم هيديكي توجو، سرا في عام 1978، أصبح الضريح رمزا لتمجيد حرب العدوان اليابانية. ومنذ ذلك الحين، واصل سياسيون يابانيون زيارة الضريح. أما تاكايتشي نفسها، فقد وصفته علنا بأنه “ملاذ للسلام”، وكانت تزوره تقريبا كل عام في السنوات الأخيرة.

وللتلاعب بالتعليم العام والرأي العام، دأب اليمين الياباني على الترويج للتحريف التاريخي من أجل “تبييض” جرائم الحرب. إذ يزعمون أن اليابان خاضت الحرب من أجل “البقاء والدفاع عن النفس”، ويحاولون تشويه الاعتراف بجرائم الحرب باعتباره “نظرة ماسوشية إلى التاريخ”. وفي عام 1997، أسس باحثون يمينيون الجمعية اليابانية لإصلاح كتب التاريخ المدرسية، التي تعاونت مع سياسيين يمينيين للدفع نحو تعديل المناهج. فجرى تخفيف مصطلحات مثل “غزو” الصين إلى “تقدم” أو “دخول”، في حين وُصفت فظائع مثل مذبحة نانجينغ والتجنيد القسري لما يسمى بـ”نساء المتعة” بأنها “قضايا مشكوك فيها”.

كما تسعى هذه القوى اليمينية إلى اغتنام كل فرصة لـ “فك القيود” عن الجيش الياباني. فحجر الزاوية في الدستور السلمي الياباني هو المادة التاسعة، التي تتخلى عن حق الدولة في شن الحرب أو اللجوء إلى القوة العسكرية لحل النزاعات الدولية. وعلى مدى عقود، شكّلت هذه المادة قيدا أساسيا على المساعي العسكرية اليابانية.

غير أن الجماعات اليمينية عملت بلا كلل لتقويض هذه المادة تحديدا. فبعد نهاية حرب الخليج، أرسلت اليابان كاسحات ألغام إلى منطقة الخليج، في أول انتشار خارجي لقوات الدفاع الذاتي. وخلال الحرب في أفغانستان، أرسلت اليابان سفنا بحرية لتزويد القوات الأمريكية بالوقود، في أول إرسال خارجي لقوات الدفاع الذاتي في زمن حرب. وفي حرب العراق، نُشر أفراد من قوات الدفاع الذاتي على الأراضي العراقية، في أول مرة يُرسلون فيها إلى أرض أجنبية أثناء نزاع نشط.

وقد واصل نطاق عمل القوات العسكرية اليابانية التوسع، بما أدى تدريجيا إلى تفريغ مبادئ الدستور السلمي من مضمونها.

وتسارع هذا الاتجاه بشكل ملحوظ خلال إدارة شينزو آبي. ففي عام 2015، فرضت الحكومة اليابانية قانونا أمنيا جديدا يسمح لليابان بممارسة حق الدفاع الجماعي عندما تتعرض دول “مرتبطة ارتباطا وثيقا باليابان” لهجوم، ما فتح ثغرة قانونية لتحول اليابان من الدفاع إلى الهجوم.

والآن تحاول تاكايتشي، التي تصف نفسها بأنها الوريثة السياسية لـ آبي، دفع هذا التفسير الخطير أصلا إلى مستويات أكثر خطورة على اليابان والمنطقة. وما لم تواجه اليابان هذا الإرث غير المحسوم بصدق وضبط للنفس، فإن شبح العسكرة سيواصل التسلل إلى سياستها، بعواقب تتجاوز حدودها بكثير.

لقد نمت المسيرة السياسية لتاكايتشي في تربة سامة من التحريف التاريخي. فمن التشكيك في “بيان موراياما”، الذي يُعد ذروة اعتذار اليابان عن أخطائها قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، إلى إنكار مذبحة نانجينغ وتمجيد رموز العسكرة، اصطفت تاكايتشي مع فصائل ترفض محاسبة اليابان على عدوانها الماضي. والأكثر إثارة للقلق أن وسائل إعلام يابانية كشفت أن تاكايتشي صُوّرت في وقت سابق مع أحد قادة جماعة نازية جديدة في اليابان.

وعلى مدى عقود، ظل سياسيون يمينيون مثل تاكايتشي أسرى رؤية عمرها قرن من الزمان، عاجزين — أو غير راغبين — في تجاوز العقلية التي غذّت العدوان الياباني. وتُشكَّل تصوراتهم عن الصين لا بالوقائع أو التطورات المعاصرة، بل بالحنين إلى الطموحات الإمبريالية، وإنكار فظائع الحرب، وتجاهل الالتزامات الجدية التي قطعتها اليابان عند تطبيع علاقاتها مع الصين.

ويبدو أن إدارة تاكايتشي تسعى أيضا إلى تحويل الأنظار عن التحديات الداخلية، بما في ذلك حكم الأقلية وتراجع الدعم لحزبها الحزب الليبرالي الديمقراطي والاستياء من أسلوب الحكم، وذلك عبر تقديم أداء سياسي خارجي تصادمي.

وبدوافع متعددة، سرّعت تاكايتشي أجندتها الخطيرة. فهي لم تُطلق تصريحات متهورة بشأن تايوان فحسب، بل دفعت أيضا نحو زيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي، وسعت إلى مراجعة وثائق أمنية رئيسية، وحاولت المزيد من تخفيف القيود على تصدير الأسلحة، ولمّحت إلى تطوير غواصات تعمل بالطاقة النووية، بل وتطرقت إلى مراجعة المبادئ الثلاثة غير النووية لليابان.

وأمام الحقائق التاريخية والقانونية الواضحة، لم تعترف تاكايتشي بأخطائها ولم تتراجع عن مغالطاتها، بل صعّدتها. وهذا يثبت تماما أن تصريحاتها بشأن تايوان لم تكن زلة عابرة، بل كشفا متعمدا عن نواياها السياسية. وقد أشارت بعض الأصوات اليابانية الواعية إلى أن تاكايتشي تقع تحت وطأة خطأين قاتلين في التقدير.

أولا، أساءت تقدير المشهد الدولي. فقد أشارت افتتاحية في صحيفة ((أساهي شيمبون)) بحدة إلى أنه في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة إلى استقرار علاقاتها مع الصين، فإن تصريحات تاكايتشي “تفتقر إلى منظور شامل”، وتهز أسس الدبلوماسية اليابانية. كما رأى معلقون آخرون أنها تحاول ربط الولايات المتحدة بأجندتها المحفوفة بالمخاطر وجعل واشنطن “تتحمل الفاتورة”، وهو ما لا يعدو كونه مقامرة سياسية خطيرة.

ثانيا، أساءت تقدير عزم الصين. فقضية تايوان تقع في صميم المصالح الأساسية للصين، وهي الخط الأحمر الذي لا يجوز تجاوزه. ومن خلال تحدي هذه المصالح الجوهرية، فإنها ستواجه حتما ردا حازما وحاسما من الجانب الصيني.

جرائم حرب لم يُكّفر عنها

إن رد الفعل القوي من جانب الصين لا يثير أي مفاجأة. فخطاب “الأزمة المهددة للبقاء” مألوف للغاية لدى الشعب الصيني. إذ استخدم المعتدون الإمبرياليون اليابانيون الذريعة نفسها لشن حرب عدوانية استمرت 14 عاما ضد الصين. وفي عام 1931، ادعى العسكريون اليابانيون أن “منشوريا ومنغوليا هما شريان الحياة بالنسبة لليابان” ودبروا حادثة 18 سبتمبر لاحتلال شمال شرقي الصين. وفي عام 1937، كرروا الأسلوب ذاته من خلال حادثة 7 يوليو، مطلقين حرب عدوان شاملة ضد الصين.

وتحمل التصريحات الأخيرة لـ تاكايتشي تشابها مقلقا مع الخطاب الذي استخدمته المؤسسة العسكرية اليابانية قبل الحرب العالمية الثانية. حيث تم آنذاك الادعاء بأن “منشوريا ومنغوليا هما شريان الحياة بالنسبة لليابان” كذريعة للعدوان من جانب طوكيو. واليوم، يحاول خطاب “حالة الطوارئ لتايوان هي حالة الطوارئ لليابان” جر تايوان الصينية إلى ما تسميه اليابان “محيطها الأمني”. إن مثل هذه التحركات الخطرة تفوح منها رائحة النزعة العسكرية.

ومن خلال التقليل من وحشية عدوان اليابان في زمن الحرب، مع تضخيم تأثير القصف الذري على هيروشيما وناجازاكي، تحاول قوى اليمين في اليابان إعادة تصوير نفسها من جناة إلى ضحايا.

وقد أوضحت المحكمة العسكرية الدولية للشرق الأقصى منذ زمن بعيد أن اليابان بادرت بارتكاب جرائم ضد السلام، وجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية. وكما قال تيلفورد تايلور، المدعي العام الرئيسي لجرائم الحرب في المحكمة العسكرية الدولية، فإن القصف الذري أنهى حربا تتحمل حكومة اليابان مسؤوليتها المباشرة.

ومع ذلك، لا تزال المجموعات اليمينية في اليابان تحاول ترويج كذبة مفادها أن البلاد كانت تحاول “تحرير آسيا” وبناء “مجال الازدهار المشترك لشرق آسيا الكبرى”. ويُظهر التاريخ أن ما يسمى “الازدهار المشترك” بالنسبة لهم لم يكن سوى مذابح جماعية ونهب وعمالة قسرية وسلب ثقافي. ففي الصين وحدها، قُتل أو جُرح 35 مليون جندي ومدني خلال الحرب، فضلا عن تدمير عدد لا يُحصى من المدن والبلدات وتحويلها إلى أنقاض، وتشريد عشرات الملايين خلال العدوان الياباني.

ومن خلال محاولة التملص من جرائم الحرب، تتهرب اليابان من التزامات محددة بوضوح في إطار القانون الدولي. وسواء كان ذلك ادعاء آبي بأن اليابانيين “لم يعودوا قادرين على تحمل مصير الاستمرار في الاعتذار”، أو دفع تاكايتشي المكثف للانفصال عن النظام الدولي لما بعد الحرب، فإن هؤلاء السياسيين اليابانيين يكافحون للفرار من المسؤولية التاريخية.

وبعد الحرب العالمية الثانية، اتخذ القادة الألمان خطوات ملموسة لتعويض الضحايا وتثقيف الأجيال المقبلة بشأن ماضي ألمانيا في زمن الحرب. وكما أشار المستشار الألماني سابقا جيرهارد شرودر، فإن مواجهة التاريخ بحكمة وتأمل ذاتي تكسب الاحترام.

وفي الأول من ديسمبر، أعلنت الحكومة الألمانية أنها ستبني نصبا تذكاريا لضحايا الحكم النازي من البولنديين. وخلال محادثات حديثة في برلين مع رئيس الوزراء البولندي الزائر دونالد توسك، أعاد المستشار الألماني فريدرش ميرتس التأكيد على أن ذكرى الحرب العالمية الثانية ليست فصلا مغلقا، بل مسؤولية مستمرة.

وقال إن “الماضي لا ينتهي أبدا”، مشيرا إلى أن تذكر التاريخ والتصالح معه “لن يكتمل أبدا”، وأن ألمانيا متمسكة بمسؤوليتها التاريخية.

ويُظهر التاريخ أن إنكار العدوان أو تبييضه سيلقي بآثار سلبية جسيمة على مستقبل أي دولة. فكيف لأمة ترفض الاعتراف بتاريخها أن تنال ثقة أو احترام المجتمع الدولي؟

التزام الصين بالسلام والعدالة

من الواضح أن اليابان التي ترفض التفكير في ماضيها بشكل حقيقي، بينما تُسرّع وتيرة التوسع العسكري، تخاطر بأن تصبح مرة أخرى مصدرا لعدم الاستقرار الإقليمي. وقد أثار الموقف الرجعي لـ تاكايتشي بالفعل انتقادات حادة من داخل البلاد وخارجها.

ففي اليابان، أدى تخلي تاكايتشي عن التزام البلاد بالسلام بعد الحرب وتعطيلها للتوافق الاجتماعي، إلى تصاعد القلق العام من أن تعيد البلاد تكرار أخطاء الماضي وتنجرف مجددا إلى أتون الحرب. وقد انتقدها علنا عدة رؤساء وزراء سابقين لتجاوزها الخطوط الحمراء، فيما شكك عدد من المشرعين والمجموعات المدنية في أهليتها لتولي منصب رئيسة الوزراء. كما حذر أكاديميون ووسائل إعلام من أن تصرفاتها المتهورة قد تعزل اليابان دبلوماسيا وتلحق الضرر باقتصادها.

وعلى المستوى الإقليمي، فقد قوّضت التحركات الخطيرة لإدارة تاكايتشي، النظام الدولي لما بعد الحرب، الذي لطالما صان السلام والتنمية الدائمين في منطقة آسيا-الباسيفيك. وقد أعربت دول، من بينها روسيا وكوريا الجنوبية وميانمار، عن انتقاداتها.

وعلى الساحة العالمية، أثارت تصريحات تاكايتشي، التي ربطت بين “الوضع المهدد لبقاء اليابان” وقضية تايوان، مرة أخرى ذكريات المجتمع الدولي المؤلمة عن العسكرة. وكما أشار روبرت بارويك، الزعيم الوطني لحزب المواطنين الأستراليين، فإن تصريحات تاكايتشي تقوّض “أمن اليابان وأمن المنطقة بأسرها”.

إن العالم اليوم يختلف كثيرا عن عالم الماضي، والصين اليوم لم تعد كما كانت قبل قرن من الزمان.

لقد ظل الشعب الصيني دوما يثمن السلام، ويظل ملتزما بالسعي إلى إعادة التوحيد السلمي. غير أن الصين لن تتنازل أو تساوم أبدا في القضايا الكبرى المتعلقة بالسيادة الوطنية ووحدة وسلامة الأراضي. فأي محاولة للتدخل في الشؤون الداخلية للصين أو عرقلة إعادة توحيدها الوطني ستُواجَه بتدابير مضادة حازمة.

قبل ثمانين عاما، في مواجهة النزعة العسكرية اليابانية، ناضل الشعب الصيني من أجل البقاء الوطني، وتجديد الشباب الوطني العظيم للأمة الصينية، وقضية العدالة الإنسانية. واليوم، باتت الصين أكثر قدرة وأكثر تصميما على حماية السلام الذي تحقق بشق الأنفس.

إن السلام والتنمية هما الاتجاهان السائدان للعصر والطموح المشترك لجميع الشعوب. وبصفتها عضوا مؤسسا في الأمم المتحدة وعضوا دائما في مجلس الأمن الدولي، ستقف الصين بثبات إلى الجانب الصحيح من التاريخ. وبالتعاون مع جميع الدول والشعوب الملتزمة بالسلام، ستصون الصين النظام الدولي لما بعد الحرب، وستدافع عن انتصار الحرب العالمية الثانية، وستضمن أن يظل لواء السلام والعدالة مرفوعا.

شاهد أيضاً

3 إصابات برصاص مستوطنين بالقرب من عناتا

شفا – أصيب 3 مواطنين برصاص مستوطنين، مساء اليوم الإثنين، خلال هجومهم على المواطنين شرق …