10:09 مساءً / 10 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

قطر … ، هدية في السماء وواقع على الأرض ، بقلم : المهندس غسان جابر

قطر… هدية في السماء وواقع على الأرض ، بقلم : المهندس غسان جابر

منذ عقود طويلة، شكّلت العلاقة الأمريكية–الإسرائيلية محورًا ثابتًا في السياسة الدولية، لا يتأثر بتغير الإدارات ولا بتبدل الوجوه في البيت الأبيض. فمنذ لحظة الاعتراف الأمريكي المبكر بإسرائيل عام 1948، مرورًا بالجسر الجوي في حرب أكتوبر 1973، وصولًا إلى اتفاقات الدعم العسكري المفتوح في السنوات الأخيرة، ظلّت واشنطن تُقدّم لإسرائيل ما لا تمنحه لأحد غيرها: حماية مطلقة من أي إدانة دولية، وضمانة استراتيجية تجعلها بمنأى عن أي مساءلة.

في هذا السياق، تبرز المفارقة التي أثارتها زيارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى الدوحة، وما رافقها من هدية غير عادية قدّمها أمير قطر: طائرة حديثة مجهزة بأحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا الجوية. وهي هدية لم تُقرأ فقط كبادرة بروتوكولية، بل كرسالة سياسية تبحث عن موطئ قدم آمن في حسابات القوة الأمريكية.

غير أنّ الوقائع على الأرض أثبتت سريعًا أن الطائرات، مهما كانت حديثة، لا تغيّر مسار السياسة الدولية. فما إن انتهت مشاهد الاستقبال والابتسامات الدبلوماسية، حتى جاءت إسرائيل – وبلا تردد – لتخترق السيادة القطرية، وكأن شيئًا لم يكن، في رسالة واضحة مفادها أن الهدايا العربية، مهما عظمت قيمتها، لا تستطيع أن تردع إسرائيل عن ممارسة ما تعتبره “حقًا مشروعًا” في فرض إرادتها على أجواء الآخرين.

وهنا يتجلى السؤال الجوهري: هل كان بإمكان طائرة فاخرة أن تضع حدودًا للانحياز الأمريكي المستمر إلى إسرائيل؟ الجواب الذي قدمته الوقائع كان حاسمًا: لا. فالولايات المتحدة، التي لم تتردد عبر تاريخها في استخدام “حق النقض” لإسقاط عشرات القرارات الدولية المتعلقة بإسرائيل، لن تجد في هدية قطر ما يغيّر قناعتها الراسخة. الفيتو سيظل حاضرًا، ومجلس الأمن سيبقى مُكبَّلًا، بينما تنطلق الطائرات في سماء العلاقات العامة، لا في سماء السيادة الفعلية.

إن ما حدث ليس مجرد حادثة عابرة بقدر ما هو درس في طبيعة التوازنات: العرب يقدّمون الهدايا والصفقات، بينما إسرائيل تفرض الوقائع بالقوة، وأمريكا تضمن لها الغطاء السياسي والدبلوماسي بلا حساب. وإذا كان ثمة معنى يُستخلص من المشهد، فهو أن السيادة لا تُحمى بالهدايا، وإنما تُحمى بالإرادة الوطنية الواضحة، وببناء معادلة قوة تجعل حتى واشنطن مضطرة لإعادة الحسابات.

  • – م. غسان جابر – مهندس و سياسي فلسطيني – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية – نائب رئيس لجنة تجار باب الزاوية و البلدة القديمة في الخليل.

شاهد أيضاً

الخارجية تُطلع السلك الدبلوماسي على تداعيات المخطط الاستيطاني E1 وانتهاكات الاحتلال بحق طوباس والمغيّر

شفا – عقدت وزارة الخارجية والمغتربين، اليوم الأربعاء بمقر الوزارة في رام الله، جلسة إحاطة …