
ما المطلوب لتجسيد الإعتراف بالدولة الفلسطينية ، بقلم : د. علاء سليمان الديك
تشهد الساحة الفلسطينية حراك سياسي ودبلوماسي وقانوني بعد أن أعلن الساسة الفلسطينيون عزمهم على الإنتقال من السلطة للدولة، تزامناً مع إعلان العديد من الدول الغربية عزمها الإعتراف بالدولة الفلسطينية في أيلول المقبل. وتأتي أهمية هذا المقال لتناول سبب تأجيل الإنتقال وتجسيد الدول الفلسطينية من قبل الساسة الفلسطينيون من جهة، على الرغم من أن هناك قرار وطني في المجلسين الوطني والمركزي بضرورة الإنتقال وتجسيد الدولة الفلسطينية وفقاً للدستور المؤقت ووثيقة الإستقلال، ومن جهة أخرى عزم الدول الغربية الإعتراف بالدولة الفلسطينية بدون تجسيد يذكر في ظل الإجراءات الإسرائيلية وبدعم أمريكي من جانب واحد. وعليه، تقديم الأليات والحلول الممكنة لتجسيد الإعتراف بالدولة الفلسطينية وفق القانون الدولي والقرارات ذات الصلة، وبما يتلائم مع تطلعات الفلسطينيين العادلة والمشروعة في الحرية وتقرير المصير كباقي الشعوب.
على الرغم من أهمية إعتراف الدول الغربية بالدولة الفلسطينية في أيلول المقبل إلا أن هذا التأجيل غير مبرر سوى أنه يخدم الإجراءات الإسرائيلية الأحادية بطريقة غير مباشرة، وخاصة أن الفلسطينيين تحت الإحتلال المباشر ويعانون من إجراءات الإحتلال اليومية التي يدفع الفلسطيني حياته ثمنها، وخاصة أن تلك الإجراءات تستهدف الكل الفلسطيني وأصبحت تهدد الإمكانية لتطبيق حل الدولتين على أرض الواقع. وعليه نتساءل: كيف يمكن لهذا الإعتراف الحالي أو القادم أن يكون قادر على تجسيد الدولة الفلسطينية في ظل تلك الإجراءات والمعطيات؟ أعتقد جازماً أن ذلك لم ينجح، والسبب مرتبط بتجاهل الولايات المتحدة وإسرائيل للقانون الدولي والقرارات المتعلقة بحل القضية الفلسطينية، ولم يعد مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة قادرة على إجبارهما على ذلك في ظل تنامي النظام الأحادي الذي يسيطر على المنظومة الدولية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.
فنجاح التعددية الدولية يعني حل العديد من القضايا الدولية العالقة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وهذا يحتاج لإجراءات جدية وعملية من قبل الدول الأعضاء وبدون مجاملة لأحد للمطالبة بضرورة إنصياع الجميع للقانون الدولي من خلال تعزيز التعاون والعمل المشترك وفقاً لمبدأ الإحترام المتبادل وإحترام حقوق وسيادة الدول بصرف النظر عن حجمها أو قوتها أو ثروتها. وهذا ما أكدت عليه الصين بإستمرار بشكل “حازم وثابت” من خلال طرح العديد من المبادرات والأفكار عبر تعزيز التعاون والعمل المشترك مع الجميع ليعم السلام والإستقرار في المنطقة من خلال حل القضية الفلسطينية بشكل جذري وشامل وعادل، ولكن الولايات المتحدة وحلفائها لا تريد التعاون مع الصين والأطراف الدولية الأخرى لتحقيق تلك الغاية. وأعتقد جازماً هنا أنها لا تريد للصين ومبادراتها النجاح في هذا الملف لتفادي نشر الأفكار ذات الخصائص الصينية لحل القضايا الدولية العالقة وأهمها القضية الفلسطينية، خوفاً من أن تصبح تلك المباردات والأفكار مرجعية للدول الأعضاء وبالتالي مفتاح لتحقيق وتجسيد مبدأ التعددية والإنصاف والحوكمة في المنظومة الدولية، الأمر الذي يشكل خطر على النظام الأحادي وحلفائه. علماً أن الصين لم تقدم مبادرات أو أفكار لتكون بديلاً عن المنظومة الدولية، وإنما لتساعد الدول الأعضاء على تقوية النظام الدولي بهدف تعزيز العدالة والحوكمة في الأداء، وبالتالي الحفاظ عليه كمرجعية للجميع دون إستثناء.
وفيما يتعلق بالجانب الفلسطيني، مازال الساسة الفلسطينيون يراهنون على تحقيق طموحات الفلسطينيين على الولايات المتحدة وحلفائهم الغربيون، على الرغم من التجربة والخبرة الطويلة التي راهن فيها الساسة الفلسطينيون على النظام الأحادي منذ عام 1974 لتحقيق تلك الغاية ولكن دون جدوى. وهنا نتسائل: لماذا هذا الإصرار الفلسطيني من جانب الساسة الفلسطينيون في المراهنة من جديد على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيون لحل القضية الفلسطينية وتحقيق أهداف وطموحات الفلسطينيين في الحرية وتقرير المصير؟ وخاصة أن ما يعيشه الفلسطيني اليوم مختلف عما سبق، وأن الظروف الموضوعية التي تنتهجها إسرائيل في التعامل مع الفلسطينيين تهدد القضية الفلسطينية والحقوق العادلة والمشروعة للفلسطينيين بدعم من الولايات المتحدة وتجاهلها المتعمد لتلك الحقوق.
وعليه، فالساسة الفلسطينيون إنتهجوا نفس السياسة السابقة في المراهنة من جديد على القرار الغربي لتحقيق طموحات الفلسطينيين في الحرية وتقرير المصير، وذلك من خلال الإعلان الرسمي عزمهم تجسيد الدولة الفلسطينية في أيلول المقبل، وكأن الفلسطيني يعيش في ترف وحرية وإستقرار سياسي وإقتصادي وما شابه، وبالتالي فإن ذلك يحتمل التأجيل. من جهة أخرى، وإن تحقق ذلك الحلم في ايلول المقبل، نتسائل من جديد: ما هي الأدوات التي يمتلكها الساسة الفلسطينيون للتعامل مع الواقع الجديد، واقع الدولة الفلسطينية تحت الإحتلال، الحدود والخدمات التي يحتاجها الفلسطينيين يوميا، فمثلاً: هل يستطيع الساسة الفلسطينيون كتابة مصطلح الدولة الفسطينية على جوازالسفر الفلسطيني؟ هل ستعترف إسرائيل بهذا التغيير؟ وإن لم تعترف كيف سيعبر الفلسطيني الحدود؟ وكذلك هل يستطيع الساسة الفلسطينيون إصدار بطاقة الفلسطيني كغيره من الشعوب وإلغاء الهوية الخضراء؟ والعديد من التساؤلات التي تتعلق بالحقوق الفلسطينية ومدى القدرة على تجسيدها عملياً، وهذه أبسط الحقوق التي نتكلم عنها، في المقابل هناك الحقوق والإحتياجات الأكبر المتعلقة بالسيادة والأمن والإقتصاد والعملة وخدمات الكهرباء والمياة وغيرهما، التي تمتلك إسرائيل حق التصرف بها عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين، فكيف سيتم التعامل معها!
من جهة أخرى، هل الدول الغربية المعترفة بالدولة الفلسطينية في أيلول المقبل قادرة على حماية وصون وتوفير الحقوق الفلسطينية تلك؟ وهل تستطيع حماية تلك الدولة ومكتسباتها؟ فالواقع يجيب إن تلك الدول غير قادرة على حماية الحق في الحياة للفلسطيني، وكذلك عدم إتخاذ القرار الجدي بتوفير الدعم التنموي المطلوب لينعم الفلسطيني بحياة كريمة وإستقرار مالي لتعزيز صموده على أرضه كغيره من الشعوب، وأيضاً عدم تمكين المؤسسة الفلسطينية بالمعنى المطلوب وطنياً من أجل القيام بواجباتها تجاه الفلسطينيين، فهي تريد مؤسسة ضعيفة بهدف ممارسة الضغوط على الفلسطينيين لتحقيق أهداف سياسية تتلائم مع الرؤية الغربية للحل والتي تخدم مصالحها المشتركة مع إسرائيل، على إعتبار أن أمن إسرائيل من أمن الدول الغربية القومي في منطقة الشرق الأوسط.
في المحصلة، على الساسة الفلسطينيون المراهنة على تضحيات وصمود الفلسطينيين فقط، وإتخاذ قرار وطني “حازم وثابت”، ينسجم مع حجم تلك التضحيات ويؤكد أن الفلسطيني يستحق كغيره من الشعوب العيش بسلام وحرية وأمان، بعمل إستفتاء شعبي يتعلق بالمطالبة في تجسيد الدولة الفلسطينية على ارض الواقع وفق وثيقة الإستقلال والقانون الاساسي (الدستور المؤقت) دون تأجيل، وعندئذ مطالبة الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية تحمل مسؤولياتها القانونية والدولية لإحترام إرادة الشعوب بحق تقرير مصيرها وفق القانون الدولي، وبالتالي إحترام سيادتها وعدم التدخل في شؤونها وعدم الإعتداء عليها. والأمر الأخر، الإتفاق على رؤية سياسية فلسطينية واحدة هدفها صون الحق الفلسطيني أولاً من خلال تجسيد الحقوق العادلة والمشروعة للفلسطينيين على الأرض الفلسطينية دون مجاملة لأحد ودون القبول بشروط مسبقة على أي طرف من الأطراف، وعدم قبول الإملاءات أو التدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي. وأخيراً تجسيد “إعلان بكين” لتعزيز الوحدة الداخلية الفلسطينية بشكل حازم رغماً عن كل الضغوطات التي تحاول إفشال ذلك. وعليه، فإن إرادة الساسة الفلسطينيون هي النواة الحقيقية للخروج من المأزق الحالي الذي يعيشه الفلسطينيين، فإما القرار الوطني المستقل المستمد شرعيته من الشعب، أو المراهنة على الغير من جديد دون جدوى، وإنما مزيد من التراجع والخسارة للفلسطينيين وربط قضيتهم الوطنية بالمجهول.
- – د. علاء سليمان الديك – متخصص بالدراسات الصينية والعلاقات الدولية .