1:03 مساءً / 22 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

مروان البرغوثي .. مانديلا فلسطين وصوت الحرية خلف القضبان ، بقلم : محمد التاج

مروان البرغوثي .. مانديلا فلسطين وصوت الحرية خلف القضبان ، بقلم : محمد التاج

مروان البرغوثي .. مانديلا فلسطين وصوت الحرية خلف القضبان ، بقلم : محمد التاج

حين نتحدث عن الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، فإن أول ما يخطر في البال هو صورة القائد مروان البرغوثي، ذلك الرجل الذي تجاوز حضوره حدود الزنزانة الضيقة ليصبح رمزا عالميا للحرية والمقاومة. إن مروان اليوم ليس مجرد أسير سياسي محكوم بالمؤبد خمس مرات وأكثر، بل هو حالة وطنية متكاملة، عنوانها الصمود والإصرار على الحق الفلسطيني، حتى لو كلفه ذلك العمر كله بين جدران السجن.

لقد التقيت مروان عن قرب، وعشت معه تجربة الأسر القاسية، ورأيت فيه ذاك الإنسان الصلب الذي لا يعرف الانكسار. بالنسبة لنا نحن الأسرى، لم يكن مجرد قائد سياسي أو برلماني خلف القضبان، بل كان الأخ والمعلم والملهم. شخصيا، أدين له بالكثير، وربما أدين له بحياتي ذاتها. ففي أصعب لحظة من حياتي، حين كنت أعيش على جهاز الأوكسجين 24 ساعة داخل السجن بعد إصابتي بتليف في الرئتين، أوشكت على الموت تحت سياسة الإهمال الطبي المتعمد. يومها، لم يقف مروان مكتوف اليدين، بل هب في وجه إدارة السجون، وقاد مع رفاقه معركة ضارية لإجبـار الاحتلال على علاجي ونقلي للخارج. لم يتركني أواجه مصيري وحيدا، بل جعل قضيتي قضية رأي عام، حتى اضطر الاحتلال للإفراج عني. واليوم، بعد أن أجريت عملية زراعة قلب ورئتين وعدت للحياة من جديد، أعترف أنني مدين له مرتين: مرة لأنه أنقذ حياتي في السجن، ومرة لأنه أعاد إلي الأمل بأن النضال يستمر مهما كانت الظروف.

مروان البرغوثي لم يكن أسيرا عاديا. لقد أدرك منذ اليوم الأول أن الاحتلال يريد أن يجعل من السجون مقابر للأحلام ومصانع للهزيمة، فحولها بعزيمته وفكره إلى جامعات ومعاهد للوعي والثقافة. في زنازين العزل الانفرادي وأقسام الأسرى، كان يعطي الدروس بنفسه، يشرح التاريخ والفكر والسياسة، ويفتح النقاشات حول القضايا الوطنية. كان يرى في كل أسير مشروع قائد، ويؤمن أن تحرير فلسطين يحتاج إلى مقاتلين ومثقفين في آن واحد. وهكذا، خرج من تحت يديه المئات من الأسرى بشهادات جامعية عليا، وبمعرفة عميقة جعلت منهم باحثين وقادة رأي بعد تحررهم. لقد أسس مروان مدرسة حقيقية داخل السجون، مدرسة تؤمن أن المقاومة ليست بندقية فقط، بل أيضا عقل مستنير وروح صلبة.

ولعل الاحتلال أدرك خطورة هذه الرمزية مبكرا، فحاول بكل الطرق كسر مروان وعزله عن محيطه. لكن المشهد الأكثر دلالة على خوفهم تجسد، حين اقتحم وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، زنزانة مروان بنفسه، وهدده بالقتل علنا. لم يكن ذلك مجرد استعراض من وزير متطرف، بل كان اعترافا صريحا من رأس اليمين الإسرائيلي بأن وجود مروان خلف القضبان يشكل خطرا على الاحتلال. هم يخشون فكره أكثر مما يخشون آلاف البنادق، ويخشون صموده أكثر مما يخشون كل المظاهرات. إن مجرد بقاء مروان على قيد الحياة يعني استمرار الحلم الفلسطيني بالحرية.

إن معركة الأسرى اليوم، وما يتعرضون له من إهمال طبي وتنكيل وعزل جماعي، ليست بعيدة عن محاولة الاحتلال إضعاف مروان والرموز الذين يشكلون ضمير الشعب الفلسطيني داخل السجون. لكنه، كما عهدناه دائما، لم ينكسر. يخرج صوته من الزنزانة ليصل إلى كل بيت فلسطيني، مؤكدا أن الحرية لا تقاس بمكان الجسد، بل بامتداد الفكرة. مروان اليوم هو مانديلا فلسطين، ورمزيته تجاوزت حدود التنظيمات والانتماءات، ليصبح القاسم المشترك لكل الفلسطينيين، والعنوان الأبرز لوحدة شعبنا في مواجهة الاحتلال.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا علينا أن نفعل نحن، في الوطن والشتات، أمام هذا المشهد؟ هل يكفي أن نرفع صوره في المناسبات الوطنية، أم أن الواجب أكبر من ذلك بكثير؟ إنني أؤمن أن قضية مروان البرغوثي يجب أن تتحول إلى قضية رأي عام عالمي، وأن نطلق من أجلها حملة واسعة لا تتوقف حتى تحريره. العالم يعرف جيدا قصة نيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا، وكيف تحول من أسير محكوم بالمؤبد إلى رئيس يقود شعبه نحو الحرية. اليوم، لدينا مانديلا فلسطيني اسمه مروان البرغوثي، فلماذا لا نجعل من قضيته نموذجا لتحشيد التضامن الدولي؟

إن إطلاق سراح مروان ليس شأنا فلسطينيا داخليا فحسب، بل هو مطلب إنساني عالمي. بقاءه خلف القضبان طوال هذه السنوات جريمة ضد العدالة والكرامة الإنسانية. إن حرية مروان تعني حرية فلسطين، وخروجه من السجن سيكون نقطة تحول كبرى في مسار قضيتنا. لذلك، فإن مسؤوليتنا الوطنية والأخلاقية تقتضي أن نرفع صوته في كل مكان: في الإعلام، في الجامعات، في البرلمانات، وفي كل منبر متاح. يجب أن يدرك الاحتلال أن العالم يراقب، وأن كل يوم يمر ومروان خلف القضبان يضاعف عزلته ويكشف طبيعته العنصرية أمام الإنسانية.

لقد علمنا مروان درسا عميقا: أن الحرية ليست حلما بعيدا، بل هي فعل يومي وموقف صلب. وأن المقاومة لا تنحصر في البندقية أو الشارع، بل تبدأ من العقل والوعي والإيمان بعدالة قضيتنا. لذلك، فإن الوقوف إلى جانبه اليوم هو وقوف إلى جانب أنفسنا، إلى جانب مستقبل أولادنا، وإلى جانب فلسطين التي نريد أن نحياها حرة وكريمة.

من زنزانته الضيقة، يطل مروان البرغوثي على العالم بوجهٍ لم تهزمه القضبان، وبصوتٍ أقوى من كل محاولات القمع. ومن هنا، أقولها بوضوح: إذا أردتم أن تفهموا جوهر الصراع الفلسطيني، فانظروا إلى زنزانة مروان. سترون فيها فلسطين كلها. وإذا أردتم أن تعرفوا معنى الحرية، فانظروا في عينيه، سترون المستقبل الذي نحلم به جميعا.

إنها لحظة الحقيقة: إما أن نترك الاحتلال يتمادى في جرائمه بحق الأسرى، وإما أن نحول قضية مروان البرغوثي إلى راية نضالية ترفعها كل الأحرار في العالم. هذه ليست معركة الفلسطينيين وحدهم، بل معركة كل إنسان يؤمن بالحرية والعدالة. ومثلما انتصر مانديلا يوما، سينتصر مروان، وسينتصر معه شعبنا مهما طال ليل السجن.

شاهد أيضاً

‏ التوجيه السياسي ينظم محاضرة توعوية حول الإعلام الأمني ‏بالتعاون مع الأمن الوطني

‏ التوجيه السياسي ينظم محاضرة توعوية حول الإعلام الأمني ‏بالتعاون مع الأمن الوطني

شفا – نظمت مديرية التوجيه السياسي والوطني لمحافظة ‏جنين، بالتعاون مع قسم العلاقات العامة في …