
حين صار الاحتلال إعلاما تجاريا ، بقلم : د. وليد العريض
من ديوان مقاوم خاص (11)
أولاً: المأساة الإنسانية، أمة تُغتال بالضحك
لم يعد المستعمر الجديد بحاجة إلى دبابة أو مدفع. جاءنا هذه المرة في صورة مهرّج بربطة عنق أو شيخٍ بعمامة مزوّرة، أو رجل أعمال وطني يسرقنا في النهار ثم يلقي علينا خطب الوطنية في الليل.
لقد تحوّل الاحتلال إلى إعلان تجاري يشبه مسحوق غسيل: يبيعنا الضحك ونحن نغرق في رغوة الوهم.
أي مأساة أعظم من أن تُذبح أمة كاملة لا بالرصاص، بل بالإعلانات و بالمناهج التي تعلّم الطاعة وبالسجائر الملوّنة التي تُسوَّق للشباب كرمز للحرية؟ صارت الحرية علبة تبغ وصار التحرر سروال أستاذ غربي أو درسًا فارغًا من الروح.
ثانيًا: الأمل في التراث الشعري، البردوني يضحك من عماها
عبدالله البردوني، الذي فقد بصره، رأى بعيون قلبه ما لم تره أمة كاملة.
سخر من الغزاة الجدد حين قال:
قد يأتون تبغًا في سجائر لونها يغري… وفي سروال أستاذ وتحت عمامة المقرئ وفي أقراص منع الحمل في أنبوبة الفكر.
هكذا فضح البردوني حقيقتهم: لم يعودوا يقتحموننا بالسيف، بل يغزوننا عبر علبة دواء وإعلان تسويقي. الاحتلال صار عرضًا تجاريًا ونحن صرنا الزبائن المخلصين!
ومع ذلك بقي صوته كصوت الجبال يقول:
لا تحسب الأرض عن إنجابها عقرت، من كل صخر سيأتي للفدا جبلُ.
هذه ليست قصيدة، بل وعد شعري بأن البطولة قد تنام لكنها لا تموت وأن المقاومة قد تتأخر لكنها ستعود أصلب من كل صخر.
ثالثًا: البُعد اليماني، وعد لا يُهزم
أخطر ما يفعله الاستعمار الجديد أنه يبيعنا اليأس ببطاقة تسويقية أنيقة. يريد إقناعنا أن الهزيمة قدر أبدي، وأن الحرية مجرد وهم.
لكن الله سبحانه وتعالى قطع الطريق على هذه الأكاذيب بآية واحدة:
﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح: 5-6]
هذا ليس شعارًا، بل دستور مقاومة. كلما زاد العسر، اقترب اليسر. وكلما طال الليل، كان الفجر أقرب.
الغزاة يستطيعون خداع العقول، لكنهم لا يستطيعون إطفاء نور الله في القلوب.
وجاء بيان المقاومة الساخرة النهائي قائلا:
أيها المقاتلون، لا تدعوا سجائرهم تسرق رئتكم ولا دعواتهم المسمومة تفسد عقول أبنائكم ولا عمائمهم المزوّرة تضلّل إيمانكم.
لقد صار الاحتلال إعلانًا تجاريًا، يريد أن يقنعنا أن شراء عطرٍ أجنبي أهم من إطلاق رصاصة، وأن تغيير الموضة أهم من تغيير مصير الأمة.
فلنضحك من سخافتهم ونُسقطهم بسخرية أشد من رصاصهم، ونحوّل ضحكهم الأسود إلى وقودٍ لمقاومتنا.
فكما قال البردوني:
من كل صخر سيولد جبل ومن كل دمعة ستولد بندقية ومن كل قصيدة سيولد فجر.