12:16 مساءً / 21 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

الغابة التي لا يستجاب فيها الدعاء (21) دفتر الحمار … حين فضح القردة والكلاب ، بقلم : وليد العريض

الغابة التي لا يستجاب فيها الدعاء (21) دفتر الحمار … حين فضح القردة والكلاب ، بقلم : وليد العريض

في ليلةٍ مشؤومة من ليالي الغابة جلس الحمار العجوز تحت شجرة تين يابسة، وأخرج من جرابه دفترًا عتيقًا يغطّيه الغبار. نفَض عنه التراب بذنَبه الهزيل، ثم فتحه وراح يخطّ بخطٍّ متعرّج كحياته كلها:

لا أعرف كم مضى على رحيل الأسد، هل هي أعوام أم دهور؟ الزمن صار كالحجر، لا يتحرك إلا ليسقط فوق رؤوسنا.

كنتُ أظنّ أن الغابة بعده ستتنفّس حرّية وسنرقص نحن الحمير على المروج دون سياط. لكنني اكتشفت بعد أن هرمت أذناي وتهدّل ظهري، أن دكتاتورية الأسد كانت أرحم من حرّية القردة والكلاب.

رفع رأسه يراقب الغابة، ثم واصل الكتابة بسخرية مرة:
الأسد على شراسته، كان يعرف أن الغابة ليست ملكًا له وحده. صحيح أنه زأر، وخوّف، وأخذ أكثر مما أعطى، لكنه على الأقل أبقى الغابة غابة.

أما القردة فقد باعوا نصف الأشجار مقابل حفنة موز عفنة جاءتهم من وراء السور. لم يكتفوا بالبيع، بل أقاموا احتفالات وطنية كلّما سلّموا غصنًا جديدًا. صاروا يصفقون عند كلّ صفقة ويكتبون على اللافتات: الموز هو المستقبل.

وأما الكلاب


فقد باعت النصف الآخر من أجل العظام. كلّ كلبٍ صار مأمورا للعظام وكلّ مأمور صار كلبًا، يلهث عند أقدام الغرباء مقابل عظمة مبيّتة في قدرٍ صدئ. يفاوضون على العظمة كما يفاوضون على سيادة الغابة. يوقّعون الاتفاقيات بالنباح، ثم يعودون ليقولوا لنا: لقد ضمِنّا الأمن الغذائي!.

تنفّس الحمار بعمق وضرب حافرَه بالأرض كأنه يضحك على مأساةٍ بلا ضحك:
بين قردٍ يقفز على الخراب ويضحك وكلبٍ يهزّ ذيله عند كلّ وليمة، ضاعت الغابة.

صار القرود يدرّسون أبناءهم في مدارس خاصة اسمها أكاديمية الموز الدولي.
وصارت الكلاب يؤسسون بنوكًا اسمها البنك الوطني للعظام.

ونحن الحمير ما زلنا نحمل على ظهورنا أحلام الغابة وننقل الموز والعظام إلى قصورهم، بينما نقضم الهواء ونشرب الصبر.

توقف الحمار وأخذ يلعق جرحًا قديما في رقبته، ثم كتب ببطء:


لقد فهمتُ متأخرا، أنني لم أعش مستعبدًا في زمن الأسد، بل كنتُ محميًّا من عبث القرود وخيانة الكلاب.
اليوم أعيش حرًّا نعم… حرًّا لأن أُجلَد بلا سبب حرًّا لأن أُسرق علنًا، حرًّا لأن أُباع مع الغابة كل يوم.
أيّ حرية هذه؟ حرية الموز والعظام؟ حرية التصفيق للخراب؟ حرية انتظار عظمةٍ مرميّة أو موزةٍ عفنة؟
أغلق الحمار دفتره وأسند رأسه على جذع التين اليابس وأطلق نهيقًا طويلًا هزّ الغابة.
ضحك القرود وقالوا: إنه يعزف!.
نبحت الكلاب وقالت: إنه يعترض!.
أما الحمار، فكان يعرف أنه لا يعزف ولا يعترض، بل يكتب الوصية الأخيرة لغابةٍ لا يُستجاب فيها الدعاء.

شاهد أيضاً

النضال الشعبي في الذكرى 56 لإحراق المسجد الاقصى : حكومة الاحتلال تعيد رسم القدس من جديد وتعمل على بناء مشهد استيطاني جديد

شفا – قالت جبهة النضال الشعبي الفلسطيني يصادف اليوم الخميس الحادي والعشرين من آب/ أغسطس، …