11:49 مساءً / 18 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

الغابة التي لا يستجاب فيها الدعاء (20) الديك الذي ابتلع الشمس (1) بقلم : وليد العريض

الغابة التي لا يستجاب فيها الدعاء (20) الديك الذي ابتلع الشمس (1) بقلم : وليد العريض

لم يكن الديك مولودًا ليحكم. كان مجرد كتكوت خائف، يرتجف كلما رفرفت الريح، يختبئ تحت جناح أمٍّ لم تكن تحبه كثيرًا. لكنه تعلّم منذ صغره أن الصراخ يجلب له بعض الحبوب وأن نفش الريش يُخيف الكتاكيت الأخرى. ومع مرور الأيام، صار الصراخ وسيلته الوحيدة لفهم العالم:


يصيح ليستيقظ الصباح، يصيح ليأكل، يصيح ليؤكد أن الكون دائرته الخاصة.

وذات فجرٍ صاح طويلًا، فتصادف أن الشمس أشرقت. صدّق نفسه وقال:

أنا الذي أخرج الشمس من جحرها!. ومنذ تلك اللحظة قرر أن يبتلعها في صدره ويحتكر النور وحده.

كانت الحظيرة مملكة صغيرة. الدجاجات يلتقطن الحبوب بصمت، البط يسبح في المستنقع
الكلاب تتسكع حول السياج والعصافير تعبر السماء غير عابئة. لكن الديك أراد أن يُخضع الجميع:
أمر الغربان أن تكتب قصائد تمدحه وأجبر البلابل على التغريد باسمه. حتى الضفادع في المستنقع صارت تُنشد في مواسم التزاوج:
يحيا الديك سيد الكون!

وفي المساء، كان يُقيم استعراضاته المسرحية. يقف على كوم قشٍّ مرتفع، ينفش ريشه، يرفع رأسه و يصرخ:
من أنا؟
فيردد الجميع برعب:
أنت الشمس!
أنت النهار!
أنت القهّار!

فيضرب بجناحه الأرض صائحًا:

أحسنتم أحسنتم! لا تنسوا أن الأرض تدور بعُرفي الأحمر!.

لكن حياته لم تكن كلها مديحًا. كان يشك في الجميع. يتلفت يمينًا ويسارًا:

أنتم تتآمرون عليّ!
أنتم تخططون لإسقاطي!
حتى بيضكم ليس بريئًا، قد تفقس منه فراخ متمرّدة!

وحين يشتد هذيانه، يركض خلف الدجاجات صارخًا:

أولاد الكلاب!
ثم يضحك كأن الشتيمة فتحٌ بلاغيّ وينفجر في نوبة ضحك هستيري، قبل أن يجلس باكيًا على القشّ، ينوح:

–آه لا أحد يفهم معاناتي
أنا الضحية

في الليالي المقمرة، كان يصطحب عشرات الدجاجات إلى ضفاف البحيرة. يوزّع عليهن الألوان والريش الاصطناعي ويأمرهن بالرقص حوله. كان يقنع نفسه أن هذا المهرجان شهادة على رجولته التاريخية.
أما القطيع في الحظيرة فكان ينتظر عودته، جائعًا، تائهًا، لا يعرف إن كان غياب الديك عطلة أم كارثة.

وذات يوم، اجتمع الغرباء حول السياج. لم يرفعوا سيوفًا ولا شباكًا. كانوا يعرفون السر: أن الديك يمكن قيادته بخيطٍ واحد، إذا عُرف مكمن عقدته.

قال أحدهم: امدحوا صوته وسيغني لكم كل ما تشاؤون.

وقال آخر: أغرقوه في أوهام العظمة وسيرقص على أنغامكم.

وقال ثالث: افتحوا جرح طفولته، وسيصرخ حتى يُدمّر نفسه بنفسه.
ضحك الغرباء وتركوها حظيرةً تدور حول صراخ ديك مأزوم، ظانًّا أنه ابتلع الشمس.

أما القطيع؟ فقد اعتاد أن يستيقظ على صراخه وينام على صمته. لم يعد يميز بين النهار والليل. صار يعرف أن الزمن ليس دوران الأرض، بل مزاج ديكٍ مضطرب. وإذا سألت أحد الدجاجات: من يحكمكم؟
، أجابت وهي تلتقط الحبّ بعصبية:


نحن لا نحكم، نحن نُحكم. وصاحب العُرف الأحمر هو القانون والقدر والموت والحياة.


وهكذا ظلّت الحظيرة أسيرة نوبات هذيان ومسرحية متواصلة بطلها ديك يظن نفسه شمسًا، بينما هو مجرد صدى صوتٍ أجوف يتردّد في حظيرة خانعة.

شاهد أيضاً

الصين : رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ يحث على بذل الجهود لتحقيق الأهداف الإنمائية السنوية

الصين : رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ يحث على بذل الجهود لتحقيق الأهداف الإنمائية السنوية

شفا – شدد رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ اليوم الاثنين على أهمية بذل الجهود …