10:59 صباحًا / 13 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

دراسة نقدية موسعة وفق المنهج الرمزي الأسلوبي والتحليل النفسي والمنهج الهيرمينوطيقي (التأويلي) ، بقلم : عماد خالد رحمة

دراسة نقدية موسعة وفق المنهج الرمزي الأسلوبي والتحليل النفسي والمنهج الهيرمينوطيقي (التأويلي) ، بقلم : عماد خالد رحمة

دراسة نقدية موسعة وفق المنهج الرمزي الأسلوبي والتحليل النفسي والمنهج الهيرمينوطيقي (التأويلي) ، بقلم : عماد خالد رحمة


تأتي قصيدة “شجن” للشاعرة الفلسطينية إيمان مصاروة في سياق الشعر الفلسطيني المعاصر الذي يمزج بين همّ الوطن وهمّ الذات، ويعتمد على لغة رمزية مشحونة بالدلالات الشعورية والوجودية. هي قصيدة تنبني على جدلية الحضور والغياب، الألفة والاغتراب، وتكشف من خلال أسلوبها الشفّاف عن بنية نفسية متوترة تبحث عن المعنى وسط انكسارات الواقع. النص هنا ليس مجرد بوح عاطفي، بل هو مساحة تأملية يستخدم فيها الصوت الشعري الرموز والاستعارات لاستحضار صورة الوطن الحزين، وعلاقته المعقّدة بالذات الشاعرة، في ظل أجواء تتأرجح بين الأمل والخسارة.

–أولاً: التحليل الرمزي الأسلوبي:

يظهر في النص كثافة رمزية واضحة، أبرزها:

_1. الشجن: العنوان نفسه هو مفتاح النص، حيث يتجسد كشخصية حاضرة، تطرق النوافذ، تشارك الطعام، وتطارد الذات. هو رمز للحزن الجمعي والشخصي، لكنه أيضاً جزء من الهوية.

_ 2. الألوان: تقول :

“رمادي العيون” يوحي بالالتباس والحياد العاطفي، وكأنه لا ينتمي لصفاء الأمل ولا لظلمة اليأس.

“أزرق كالسوسن البري” يوحي بالصفاء النادر، ولكن في سياق بري، ما يجعل الصفاء معرّضاً للخشونة والمخاطر.

_ 3. المكان: النوافذ، الموائد، قمح المساء، غروب الزمان والمكان—كلها صور تؤطر العلاقة بين الذات والوطن ضمن فضاء يومي محاط بالغربة والحنين.
_ 4. الرموز الكونية والطبيعية: الفراشات، الينبوع، الأشجار، البحر—تعمل كحاملات للمعاني النفسية، تربط بين الأمل والحلم والانكسار.

_ أسلوبياً: تميل الشاعرة مصاروة إلى الجمل القصيرة المكثفة، التي تترك فجوات تأويلية واسعة، وتستثمر تكرار الأداة الاستفهامية (كيف) لتعميق نبرة الحيرة والاحتجاج.
— ثانياً: التحليل النفسي:

من منظور التحليل النفسي، يمكن قراءة النص بوصفه مواجهة داخلية بين الأنا والواقع:

_ ازدواجية الصديق/العدو: “هو الصديق أم العدو؟” تعبير عن التوتر النفسي في إدراك الوطن—كمكان حاضن ومؤلم في الوقت ذاته.

_ انتحار اليقين: صورة تعكس الانهيار النفسي أمام تراكم الخيبات، حيث تتحوّل الأمنيات إلى فضاء فارغ.
الغياب كموت رمزي للعاطفة: “نار العشق يخمدها الغياب” ليس فقط في الحب الشخصي، بل في الحلم الجمعي أيضاً.
_ الصمت كآلية دفاعية: “لحظة الإبداع يجرفها المساء إلى تخوم الصمت” توحي بأن التعبير نفسه يصبح مهدداً، فيلجأ اللاوعي إلى الصمت كحماية.

–ثالثاً: التحليل الهيرمينوطيقي (التأويلي):

القراءة التأويلية تتعامل مع النص كنسيج من المعاني المفتوحة:


الشجن ليس مجرد شعور، بل هو كائن رمزي يعيش مع الجماعة، يشاركهم تفاصيل الحياة، ويحصّن نفسه في وجدانهم، ما يجعل الخلاص منه مستحيلاً.

الوطن هنا ليس صورة جغرافية، بل كيان وجداني متناقض: “الوطن الحزين” و”الوطن الغريب”. هذه الازدواجية تعكس المأزق الوجودي للفلسطيني في الشتات أو تحت الاحتلال.

العنوان “شجن” يغلق النص في دائرة شعورية تبدأ بالحزن وتنتهي به، لكن ضمن دائرة أوسع من الحيرة والبحث عن المعنى.

_التناوب بين الأمل (الينبوع الأخضر) واليأس (خناجر الحسرة) يعكس حركة تأويلية ترفض الاستقرار على معنى واحد، بل تترك القارئ في مساحة القلق.

— الخاتمة:

قصيدة “شجن” لإيمان مصاروة نص شعري مكثف، يشتغل على مستوى الرموز واللغة لتشكيل لوحة وجدانية للوطن والحلم المكسور. من خلال المزج بين الصور الطبيعية والرموز العاطفية، يتجلى الشجن كحالة وجودية تمس الفرد والجماعة على حد سواء. الأسلوب المقتصد في الكلمات، المليء بالصور الموحية، يمنح النص عمقاً تأويلياً، بينما يفتح المجال أمام القارئ ليعيد إنتاج المعنى وفق تجربته الخاصة. إن النص يرسّخ مكانة الشاعرة ضمن الأصوات التي لا تكتفي بالرثاء، بل تمارس مقاومة جمالية ومعرفية عبر الشعر، مؤكدة أن الشجن ليس موتاً كاملاً، بل هو أيضاً ذاكرة حية تدفع نحو البقاء.


نص القصيدة:

شجَنٌ
يطلّ على نوافذنا
يشاركنا موائدنا
ويسقينا
وأحيانا يحاصرنا إذا رمنا الفرارَ
هو الصديق أم العدوّ
رماديّ العيونِ
وقلبه كالسوسن البري أزرقُ
ياسمينُ الشوق لا يحكي
وهذا الوجدُ قد خاض البحارَ
قدِ اختلفنا
نحن والأحلامُ
وانتحر اليقينُ على بساط الأمنياتِ
وموعدٌ متشائلٌ
قد تاه في قمح المساءْ
فراشتانِ
وبعض أسئلةٍ
ونار العشق يخمدها الغيابُ
فكيف تضحك أيها الوطن الحزينُ
وترسم الأشجار في قلبي
غروب في الزمان وفي المكانِ
ولحظةُ الإبداع يجرفها المساءُ
إلى تخوم الصمتِ
آهٍ من خناجر حسرة في الروح
تغتال القصيدة َ
والصبايا اللاعباتِ
فكيف يبقى ذلك الينبوع أخضرَ
أيها الوطن الغريبْ…..

ايمان مصاروة

شاهد أيضاً

اتحاد نضال العمال الفلسطيني

اتحاد نضال العمال الفلسطيني يطالب بسرعة معالجة مشاكل العمال والتصدي للتحديات القاسية التي يواجهونها

شفا – يدّق اتحاد نضال العمال الفلسطيني ناقوس الخطر إزاء الأوضاع المأساوية التي يعيشها آلاف …