
الإعتراف بالدولة ليس كافياً ، آن أوآن إعلان “الدولة تحت الأحتلال” وتشكيل مجلسها التأسيسي لحين استحقاق الانتخابات ، بقلم : مروان إميل طوباسي
في ظل تزايد الإعتراف الدولي بدولة فلسطين ، وكما في حالة ما اعلنته بريطانيا وفرنسا وكندا وغيرها من الدول وما سبقها منذ عام ١٩٨٨ على أهميته السياسية . الا ان هنالك محدودية تأثير ترتبط بهذه الاعترافات ما لم تُقرن بإجراءات حقيقية لإنهاء عدوان التطهير العرقي ومحاولات الأستئصال القومي العنصري في كل فلسطين وتفكيك الأحتلال ومنظومته الأستيطانية . لذا فإن اللحظة السياسية تستوجب منا نحن الفلسطينيين الانتقال من موقع رد الفعل إلى المبادرة السياسية الوطنية الفاعلة للوقوف في وجه مشاريع التصفية السياسية بل والوجودية .
أن الإعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية قد يتحول إلى “بديل للفعل” او الإرتهان له خاصة فيما جاء باعلانات بعض الدول من اشتراطات ، وهو ما يمكن ان ينطبق أيضاً على الواقع الفلسطيني الداخلي . فبدلاً من انتظار مسار تفاوضي غائب أو متعثر أو مرهون بإرادة المحتل والولايات المتحدة ، بات من الضروري التحرك نحو تفعيل “إعلان الدولة تحت الأحتلال” ، وتشكيل مجلس تأسيسي لدولة فلسطين على أساس من التوافق الوطني الواسع ، يتولى تسيير شؤون المرحلة الانتقالية لحين التمكن من إجراء انتخابات برلمان دولة فلسطين .
هذا القرار الوطني يتسق مع وثيقة إعلان الاستقلال عام ١٩٨٨ وما ورد فيها من نصوص ، ومع القرار التاريخي للجمعية العامة للأمم المتحدة عام ٢٠١٢ الذي أعترف بفلسطين كدولة مراقب غير عضو ومن اجل تجسيد حق تقرير المصير كمبدأ غير تفاوضي . ان ذلك يتطلب ترجمة قانونية ومؤسساتية فلسطينية ، من خلال تكريس الأمر واقعاً سياسياً ودستورياً ، يُنتزع من بين أنياب الأحتلال وأنقاض حرب الإبادة والتهجير والتجويع ، وهو حق لا يُمنح كمِنةٍ من أحد .
وفي السياق ذاته ، فأن المرسوم الرئاسي الذي تم الإعلان عنه سابقا والمتعلق بإجراء إنتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني ، يقودنا إلى ضرورة النظر الى زاويتين مهمتين :
أولاً : الأنتخابات في غزة في ظل العدوان والأحتلال .
من الصعب تصور إمكانية إجراء الانتخابات في قطاع غزة تحت القصف وعدوان التطهير العرقي ، ومع وجود نية معلنة من جانب إسرائيل لإعادة احتلاله أو تحويله إلى منطقة عازلة محطمة غير قابلة للحياة . كيف نُجري انتخابات تحت الحصار والمدافع ، ومع استمرار جرائم الحرب اليومية وتداعياتها ؟ وكيف نتعامل مع النتائج السياسية والقانونية لهذه الانتخابات في حال عجزت غزة عن المشاركة؟
ثانياً : إشكالية “الشرعية الدولية” كمُحدد للمشاركة .
ربط المشاركة في انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني بقبول “الشرعية الدولية”، هو معيار لمفهوم فضفاض ، يتوجب ان يبدأ باعتقادي من القرار ١٨١ لعام ١٩٤٧ والقرار ١٩٤ حول قضية اللاجئين من شعبنا قسراً زمن جريمة النكبة ، دون ان يُقصر فقط على ما استندت له اتفاقيات أوسلو من قرارات أممية واتفاقيات لاحقة ، بحيث لا يستخدم هذا المعيار كشرط يؤدي الى إقصاء أي فلسطيني قد بلغ سن ١٨ عاما من المشاركة بالانتخابات باعتباره عضوا طبيعيا في منظمة التحرير له كامل الواجبات والحقوق وفقا للميثاق والإعلانات الدولية لحقوق الانسان ، فالشعب هو مصدر السلطات .
هذه الزوايا لا يمكن أن تُترك معلقة ، بل تتطلب حواراً وطنيا جامعا ومسؤولاً لتحديد أسس التوافق الوطني الحقيقي لا المصطنع ، بل القائم على المصلحة الوطنية العليا لشعب يخوض مرحلة التحرر الوطني بكل تعقيداتها ، بعيدا عن أي مؤثرات أو إملاءات من اي جهة تهدف الى ايجاد “سلطة وظيفية متجددة” تحت ضغوط التهديدات تخدم المشاريع الأمريكية بالمنطقة من جهة والإسرائيلية القائمة على الفكر الصهيوني من جهة اخرى .
وإذا كانت هناك قدرة سياسية وإدارية على تنظيم انتخابات للمجلس الوطني، فلماذا لا تشمل أيضا انتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني ، ورئاسة السلطة، ورئاسة دولة فلسطين؟ هل نستمر في تجزئة الشرعية الفلسطينية وتوزيعها بين كيانٍ “سلطة” وآخر “دولة” وثالث “منظمة تحرير”، أم أن الوقت قد حان لتوحيد الكيانات الشرعية الفلسطينية في إطار مؤسسة واحدة لدولة فلسطين على أساس القانون الأساسي المعدل؟
ان تزايد الاعتراف الدولي بنتيجة كفاح شعبنا وتضحياته الجسام ، وتصاعد التضامن الدولي الشعبي غير المسبوق في كل شوارع العالم وازدياد عزلة دولة الأحتلال وتفاقم ازماتها ، يجب أن يُقابل بخطوة فلسطينية سيادية . الإعترافات وحدها لا تكفي ، فهي بدايات طريق لا تشكل نهايته . إلا ان قرارا فلسطينيا جامعا يستند الى استقلالية القرار الوطني بإعلان “الدولة تحت الأحتلال” وتشكيل مجلس تأسيسي لها قد يكون الشرارة التي تنقل المعركة من خانة الإنتظار إلى الفعل وأفق التأسيس .
ويمكن تحقيق ذلك عمليا من خلال تشكيل مجلس تأسيسي لدولة فلسطين بالتوافق الوطني ، يضم ممثلين عن القوى والفصائل والمجتمع المدني والشتات والمستقلين الوطنيين ، ويتولى صياغة دستور مؤقت او تفعيل ما تم اعداده سابقا بالخصوص ، كما وتفعيل مؤسسات الدولة على أسس كفاحية ومهنية عالية بعيدا عن مظاهر اساءت لشعبنا ، والإعداد لانتخابات عامة (برلمانية، رئاسية،تشريعية، ومجلس وطني) تُجرى بالتزامن ، بشفافية وديمقراطية ونزاهة .
ولهذا فأن الأمر يتطلب تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية بعيدا عن مسمى التكنوقراط ، تشرف على إدارة المرحلة وتوفير مقومات الصمود والبقاء في مواجهة التحديات ، وتوحيد الشرعيات الفلسطينية ضمن إطار “الدولة تحت الأحتلال” ، بما لا يتناقض مع دور منظمة التحرير كجبهة وطنية عريضة بل يُعيد تفعيله واستنهاضه بكل الاشكال الديمقراطية .
بهذا تكون القيادة الفلسطينية قد بادرت إلى ترجمة الإعتراف الدولي إلى فعل سياسي مؤسِس ، يفرض أمرا واقعا جديدا ويستعيد زمام المبادرة في مواجهة الأحتلال واطراف المجتمع الدولي المتردد ويحدد الطريق مع اصدقاؤنا نحو إنهاء الأحتلال اولاً ، ويتفق مع ضرورة استثمار حالة النهوض الأممي غير المسبوقة مع قضية شعبنا الوطنية التحررية على كافة المستويات ومنها الأممية وصولا الى اعتراف هيئة الأمم المتحدة بدولة فلسطين عضوا كامل الصلاحيات ، حتى لا تذهب تضحيات الشعوب الحرة في تضامنها معنا هدراً .
ان ذلك يعتبر اليوم اساس المقاومة السياسية والشعبية والقانونية التي يفترض ان نواجه بها المحتل الغاصب ومحاولات فرض القبول بأمر التعايش معه كأمر قائم تحت مسميات “الواقعية السياسية واختلال موازين القوى” الأمر الذي يتطلب استنهاض كافة مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية وبالمقدمة منها “حركة فتح” وفق الرؤية التي وجدت من أجلها كحركة تحرر وطني وليس حزبا ليبرالياً للسلطة بما يتطلبه ذلك من انعقاد مؤتمرها الثامن بالسرعة الممكنة ، كما وأستذكار أهم منجزات الحركة الوطنية خاصة بأنتفاضة الحجارة الكبرى وفي كافة المراحل الكفاحية الأخرى والبناء على ما حققته من مسارات ايجابية و مكاسب وطنية دون الارتهان لمسارات الصمت والأنتظار في ظل هذه المرحلة المفصلية .