
تجربتي كمعلمة فخورة بها ، من الحلم إلى الأثر رحلتي في العمل التربوي والتطوعي مع الأطفال ، بقلم : د. غدير عابد
حين أتأمل مسيرتي التربوية، وأحاول الإجابة عن سؤالٍ كثيرًا ما يُطرح عليّ:
لماذا أقوم بالعمل التطوعي مع الأطفال؟ وما الفائدة منه؟
أجد أن الإجابة لا تقتصر على عبارة سريعة، بل هي امتداد لمشاعر وتجارب وأحلام تشكّلت عبر سنوات.
أحببت أن أكون ما كنت أبحث عنه وأنا طفلةً: أن أقدّم للأطفال ما كنت أتمنى من معلماتي تقديمه لي؛ مساحة للدهشة، فرصة للانطلاق، لمسة دفء تربوية، وصوت يقول : “أنتم قادرون… أنتم مهمّون.”
بدأت حكايتي بتخصص اللغة العربية، تخصصٌ لم يكن في حسباني، بل جاء خلافًا لما كنت أنوي اختياره. ولأن البدايات لا تكشف لنا حكمتها فورًا، شعرت حينها بالحيرة، لكنّ الزمن علّمني أن بعض اختيارات القدر تكون بوابات خفية نحو النور.
لاحقًا، وجدت نفسي أنخرط في تدريبات “الدراما في سياق تعلّمي” التي نظّمتها مؤسسة عبد المحسن القطان، وكانت تلك التجربة نقطة تحوّل؛ حيث أدركت أن التعليم ليس تلقينًا، بل مسرح حياة، وأن الدرس الجيد لا يُنسى، لأنه يُعاش. واخترت جامعة القدس لاستكمال دراساتي العليا، ومن الدراسة والتدريب بدأت ملامح مشروعي التربوي تتضح أكثر. صببت كل ما تعلّمته من نظريات وتطبيقات في وعاءٍ واحد:
تحرير المعلومة من قيد الحفظ، وتوظيفها في بناء مهارات حقيقية، تصنع إنسانًا قادرًا على التفكير والإبداع.
صغاري في الصف لم يعودوا مجرد طلاب، بل صاروا مفكرين، يحلّلون، ويتخيلون، ويطرحون حلولًا غير تقليدية لمشكلات حقيقية، يعيشون أدوار الخبراء في “نهج عباءة الخبير”، وينسجون من الخيال والواقع نوافذ جديدة من النور.
أراهم يلامسون أحلامهم بأصابع صغيرة، يمدّون يد العون لكبار السن، يزرعون الخير حيثما حلّوا، وينثرون الفرح كأنهم خُلقوا له.
حتى لعبهم لم يعد مجرد تسلية، بل صار صناعة حياة، يكتشفون عبره ذواتهم، ويصوغون وعيهم الاجتماعي، ويكتسبون تقديرًا حقيقيًا لأهميتهم في هذا العالم.
يتحدثون ويكتبون ويعبرون عن أنفسهم بلغة تنبض بالحياة.
صاروا قادرين على ترك أثر، لا ليعيشوا الحاضر فقط، بل ليقودوا المستقبل نحو الضياء.
فهذا العمل التطوعي ليس مجرد وقتٍ أقدّمه، بل هو استثمار في الإنسان منذ نعومة أظفاره.
هو رسالتي، ودوري، وامتناني لما كنت، وما أنا عليه اليوم.
ولأنني كنت يومًا بحاجة لمن يراني، فأنا اليوم أكون ذلك “الراصد للوميض”، الباحث عن شرارة النور في كل طفل، كي تشتعل الحياة في عينيه من جديد… فيصنع قمما جديدة تليق به وبمستقبل أفضل للجميع بإذن الله تعالى…
د. غدير عابد