11:20 مساءً / 19 يوليو، 2025
آخر الاخبار

العلم و الحكمة ، بقلم : د. حسيب محمد البزري

العلم و الحكمة ، بقلم : د. حسيب محمد البزري

غالبًا ما نخلط بين العلم والحكمة، لكن هل هما في الحقيقة شيء واحد؟ من وجهة نظري، العلم هو ذلك البحر الواسع الذي يجمع الحقائق والمعطيات. هو مستودع النظريات، سواء كانت نظرية بحتة أو مرتبطة بكيفية التطبيق. في النهاية، العلم وعاء يضم المعرفة.

أما الحكمة، فهي نوع خاص من العلم، لكنها تتميز بأنها علم في التطبيق، لا في الافتراض أو التنظير. الحكمة تعني أن تضع كل شيء في مكانه المناسب. أي أن تدرك ظروف الشيء و ملابساته قبل أن تتعامل معه. فمثلاً، من يريد أن يسقي زرعه لا ينظر فقط إلى النبتة نفسها، بل يدرس بيئتها وتربتها ومناخ المنطقة التي تنمو فيها. الحكمة تتطلب أن نأخذ الظروف المحيطة بعين الاعتبار قبل اتخاذ أي قرار عملي.

أما العلم، فرغم اتساعه، قد يصبح ضيق الأفق أحيانًا، بحيث ينشغل بتفاصيل دقيقة وينسى ما حوله من عوامل مؤثرة، حتى لو كانت هذه العوامل خارج نطاق البحث الأصلي. فمثلاً، من يدرس نوعًا معينًا من الفاكهة قد يغرق في تفاصيل نموها و فوائدها الغذائية، و لا يلتفت إلى نوع التربة أو تأثير الرياح الموسمية، رغم أن هذه الأمور قد تكون ضرورية لنجاح زراعة تلك الفاكهة.

عند التطبيق العملي، لا يكفي العلم المتخصص وحده إذا لم يكن هناك معرفة بالعلوم أو العوامل المحيطة التي تساهم في تحقيق هذا التخصص.

فكم منا اليوم متعلمون، لكن هل نحن حقًا حكماء؟
فما هي إذًا وسائل اكتساب الحكمة على المستوى النفسي و العقلي و القلبي؟

من هنا تدخل الاولويات تباعاً. فانّ في الفلسفة مثلا، قوام الحكمة هو اعتدال القوى النفسيّة و الفكرية. فكما قال أرسطوطاليس، الشجاعة نُبلٌ بين إفراط التهوّر و تفريط الجبن. و الموعظة اعتدالٌ بين جربزة التّفكير (التفكير المعوجّ) و بلادة الذهن (خمود الفكرة). و العفّة وسطٌ بين جموح الشهوة و انعدامها الماحق للنّسل و الخيرات. كما أن العدالة هي الحد المستقيم بين طغيان الجَور و التقصير في توزيع الحقوق . فكلّ الخير في الوسط بين الافراط و التفريط.

و كما قال لاوتسو في الصين، إنّ تصرّفات المجتمع تتبع تصرّفات الافراد الحاكمين. فاذا كان الحاكم حكيماً، اعتدل المجتمع و اذا كان فاقداً للعدالة و الحكمة، لجئ الى القوّة المفرطة او الى التساهل المُهلِك و الذي يُطمِع الاعداء، و كلاهما منشأ الحروب الاهلية منها او الخارجية. فلا مناص أن ينظر الانسان في باطنه و يقوّم عواطفه و نزعاته و قواه الفكرية منها و الشعورية و ذلك ابتغاء السلام الداخلي و الخارجي.

و للمناسبة أنّ فكرة الفيلسوف الملك لدى افلاطون تكلّمت عن الشيء نفسه و ان اختلفت اللغة و الحضارة و الزمان بين صين لاوتسو و يونان افلاطون، و لكن المسلك العقلائي واحدٌ انّى كان.


الا انّ غذاء العقل العلم، و فلاحه في الحكمة،

في النهاية كما قيل، انّ العلم يرفع بيتاً لا عماد له، و لكن {من أوتي الحكمة، فقد أوتي خيراً كثيرا} صدق الله العظيم.
إن كان العلم عامود الحياة، فانّ الحكمة اتصال تلك الاعمدة فيما بينها البين. هي الافق الشريف لذلك العمق المتين، هي الجوار بعد الدار، و احيانا قبل الدار، يُنظر من هو الجار، فهكذا يُصنَع القرار.. بعلمٍ و حكمة..

شاهد أيضاً

المتحدث الرسمي باسم حركة فتح عبد الفتاح دولة

عبد الفتاح دولة : ما يجري في قطاع غزة من قتل وتجويع ، جريمة مكتملة الأركان ترتكب أمام أعين العالم

شفا – قال المتحدث الرسمي باسم حركة فتح عبد الفتاح دولة ، إن ما يجري …