
ابحث عن الإنسان في الطفل بداخلك ، بقلم : المفكر الإسلامي محمد نبيل كبها
عندما أنظر إلى الأطفال وهم يضحكون ويلعبون ويمرحون ويخرّبون.. أراهم عبر هذا المزيج يصنعون جوّا رائعاً من لا شيء، فيحدث صراع بين ذاتي الناضجة وبين الطفل بداخلي، لكن أجدني أحزن؛ لأني أفتقد ذلك الطفل جدّاً، فتراني تلقائيّا أغوص في أعماقي لأستخرج ذلك الطّفل من قاعي.
لأنّ الرّؤيا الحقيقية هي في الواقع الحقيقي، والواقع الحقيقي هو حياتنا الحقيقيّة وليست الافتراضية، وحياتنا الحقيقيّة هي في ذلك الرجل الجميل الطيّب، أو تلك المرأة الجميلة الطّيبة الذين استمرّوا في إبقاء الطّفل في أعماقهم على قيد الحياة.
الذين أفلحوا وفازوا في جعل الطفل بداخلهم ينبض ويبقى على قيد الحياة، هؤلاء هم الذين نجحوا، هؤلاء هم السّعداء، أتعلمون لماذا؟ لأنّ الطّفل الصّغير ليس لديه فلسفة الحقد والظلم والكره والانتقام، لا يعيش حياته لكي يحاكم فلان ويحاسب علان.
حياة الطّفل ليست محكمة، بل حياته مزيج رائع من المرح والضحك والدموع والحب والمسامحة والإيثار والبراءة والحنان والتفاؤل بيوم جديد، ترى الطفل مندمج في العالم، ويبدوا أنّ الطّفل يرى الأشياء عكس ما نراها.
الطفل الصّغير يصنع البسمة والضحكة والفرح من لا شيء، تراه يصنع جوّه وعالمه الجميل دون أي أدوات ومعدات، هذا الطفل الذّكي بفطرته، الكائن الأكثر فرحا وسرورا في المجرّة مالم نتوغّل نحن الكبار الغاضبون العصبيّون المكتئبون على خطّ وبهجت وفرح وسرور هذا الطفل.
وأنا أعترف أنّنا نحن الكبار فشلنا في إسعاف بلاغتنا في إبقاء طفولتنا، وكم أحترم ذلك العجوز الطاعن في السّن الذي عاش مراحل حياته تاركاً ذلك الطّفل الصغير على قيد الحياة.
جاء في حديث أبي هريرة قال: كنا نصلي مع النبي ﷺالعشاء، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع أخذهما من خلفه أخذاً رفيقاً ويضعهما على الأرض.
ما أعظمك يا رسول الله، الوحيد في العالم الذي كان أعظم من كل شيء، وأثناء ما كان أعظم من كل شيء لم ينس ذلك الطّفل، بل طوى مراحل حياته ﷺ مع ذلك الطفل.
الطّفل من براءته وطيبته تراه إذا شاهد أفعى يذهب ويلعب معها، أحيانا أغضب من ابنتي “تالا” فأقوم بتوبيخها، وما هي إلا ثواني حتّى أراها تركض وتجلس في حضني! وتبتسم في وجهي! وتلعب معي! فيتملّكني الاندهاش! ما هذه الطيبة والبراءة! ما هذا الحنان والغفران! لقد نسيت صراخي عليها وتوبيخي لها بهذه السرعة! لا يوجد في قلبها حقد ولا لؤم ولا حساب ولا كره، فأقول في نفسي: كم نحن الكبار تعساء!
الطفل في منظوري هو أرقى مخلوق في الكون.. دعونا نرجع أطفالا، لا نكره، ولا نحقد، ولا نحسد، ولا نحسب.
عندما كان البشر أطفال كانوا أذكياء، لكن عندما كًبِروا أصبحوا أغبياء، لذلك علينا إنعاش الطّفولة في جوفنا، وأن نبحث عن الإنسان في الطّفل الذي كان بداخلنا.
وبالله عليكم لا تعذّبوا الأطفال بداخلنا، ولا تقتلوا ما بقي منهم في كهولتنا.
لا تقتلوا الطفل الذي بداخلي…
المفكر الاسلامي محمد نبيل كبها
عضو اتحاد كتاب وأدباء فلسطين
عضو اتحاد كتاب وأدباء العرب
عضو الإتحاد الدولي للمثقفين العرب