10:20 مساءً / 1 يوليو، 2025
آخر الاخبار

تحليل وجداني لما كتبته خالدية أبو جبل ، “اثنا عشر يومًا في الملجأ” ، بقلم: رانية مرجية

رانية مرجية

تحليل وجداني لما كتبته خالدية أبو جبل: “اثنا عشر يومًا في الملجأ” ، بقلم: رانية مرجية

ليست مجرد شهادة عابرة، ولا خواطر سريعة كُتبت على عجل بين صافرتين، بل هي مرآة إنسانية صادمة تنكسر فيها انعكاسات الحرب اليومية، وتتكشف من خلالها شروخ النفس الفلسطينية في ملجأ بارد، بارد حدّ العدم، لكنه يحمل من مفارقات الحياة ما يبعث على وجع مضاعف.

في نصها المكثّف الوجع، المتقن الإيحاء، تصوغ خالدية أبو جبل لحظة الحرب كما لم يكتبها أحد من قبل. تكتب من عمق الملجأ، حيث الوجوه المتجهمة تتشارك الخوف، وحيث تتزاحم رائحة الموت مع رائحة العطور والعفن، والمفارقة هنا مؤلمة حد الغصة: كأن القهر العربي لا يكتمل إلا حين يغدو “الملجأ رفاهية”.

تقول خالدية: “وعند العرب لا مكان آمن يا للمهزلة”، وتلك ليست عبارة عابرة، بل جملة مفصلية تلخص قرنًا من النكبات. في عمق الشعور، يتجلى صوت جيل عربي كامل جُبل على اللجوء، محروم حتى من حق الخوف في مكان “آمن”.

تتحول “الملجأ” في نصها من مأوى مؤقت إلى مختبر بشري، نرى فيه كلّ تشققات النفس الإنسانية. تُقابلنا الأم الحنون المذهولة، والعجوز المتمسكة بكرامتها، والرجل الذي يطأطئ رأسه لأن سقف الحياة صار أوطأ من أحلامه، والطفلة التي قد تكبر راكضة إلى الملاجئ بدل الحدائق.

وتقف الكاتبة على حدود الازدواجية: الفلسطيني حتى وهو داخل “الملجأ الآمن”، يبقى منفيًا، غريبًا، محاصرًا بمترين من المساحة، تقاسمه فيها كلاب مدلّلة ومواطنون “أصيلون” ينظرون إليه بريبة، كأنه تسلل إلى ملجئهم دون دعوة.

ما بين السطور، تتجلى فلسفة الغياب والخذلان: الملجأ شُيّد لهم، والمنفى كتب علينا، والطفل يُقتل على أبواب المخابز، ونحن نستنشق هواءً “نقيًا” تتخلله أخبار الشهداء. في كل سطر، تستصرخ خالدية ضمير القارئ، لا لتشحنه غضبًا فقط، بل لتوقظه نحو وعي وجودي، نحو مسؤولية أخلاقية.

هذا النص ليس صرخة سياسية فقط، بل صرخة شعرية أيضًا، مضمخة بالحزن النبيل. هي كتابة ضد النسيان، ضد التواطؤ، ضد أن يُصنف الخوف حقًا إنسانيًا يُمنح لناس ويُمنع عن آخرين.

خالدية لم تكتب من “الملجأ” فقط، بل من فلسطين كلها، من اللد إلى غزة، من الفراش المهترئ إلى الحلم المسحوق، كتبت بجرح مفتوح لكنها لم تئن، بل قاربت الألم بكبرياء، ونحتت من التجربة سردًا يتجاوز الخصوصية ليصير جماعيًا، وطنيًا، وإنسانيًا.

هي تجربة على حافة الإنهيار، لكنها تُثبت مجددًا أن الفلسطيني لا يُهزم، بل يُكتب. يكتب نفسه من تحت الردم، من فوق الركام، ومن عمق الملجأ.

خالدية أبو جبل، في “اثنا عشر يومًا في الملجأ”، لم تسرد حكاية لجوء مؤقت، بل رسمت خريطة ألم دائم، نبضه ما زال حيًّا، وضميره يقظًا، وذاكرته لا تنام.

  • – رانية مرجية – كاتبة وناشطة فلسطينية

شاهد أيضاً

100 شهيد بنيران وغارات الاحتلال المتواصلة على قطاع غزة

100 شهيد بنيران وغارات الاحتلال المتواصلة على قطاع غزة

شفا – استشهد 11 مواطنا على الأقل وأصيب عشرات آخرون، مساء اليوم الثلاثاء، في مجزرة …