
الرفض واثمانه ، بقلم : ماسة الرمادي
عندما كُنت في السابعة من عمري، أذكر أنني رفضت بشدة أن تجدّل والدتي شعري كما أعتادت،
لكوني لم أعد أرغب بهذه التسريحة المملة، كان الرد حينذاك هو الصمت الملغّم بالغضب والقطيعة من قبلِها،
لم أفهم وقتها معنى أن يتجاهلني شخص أحبه لكوني لم أعد أرغب بشيء بسيط مثل جديلتي.
بعدها رفضت أشياء ابسط لوالدي ورأيت الرد ذاته وهو الصمت الغاضب الذي يدعونه الآن بـ”الصمت العقابي”
توالت مواقف الرفض عبر مراحل عمري لنطاقٍ أكبر ومواضيع أعمق حتى تحوّل الصمت إلى معنى أوسع وهو النبذ ثم صار اساس العقاب لكل “لا” أنطقها.
كان يقابل سلسلة النبذ تجاه رفضي سلسلة أخرى من نوع مختلف، مضت تتجدل بداخلي خيوط من القلق والهلع تجاه سلوك الغضب المتعملق نحوي لمن أهتم لأمرهم،
ذلك لكوننا ننشأ على ضرورة فكرة أن نكون محبوبين ومرغوبين من الجميع حتى لو كان الثمن استئصال كلمة “لا واخواتها” من عقولنا،
فتسلل هذا الأمر إلى أفعالنا وردودها خشية أن يمسّ رفضنا نسبة القبول لدى المحيط لنا، او أن تنقص قيمة وجودنا المرتبطة بشكلٍ غير منطقي بقبولها لدى الآخرين.
يقول غاستون باشلار في فلسفته للرفض” إن كلمة “لا” هذه ليست نهائية أبدا بالنسبة لعقل يعرف كيف يجدلن مبادئه.
إنها ليست “لا” الدالة على العدمية، بل إنها، على خلاف ذلك، نشاط بنّاء يهدف إلى التفكير وترسيخ الطابع الخصب للتجربة”
أي لو أننا ناقشنا سبب الرفض في كلّ مرة، بدل التجاهل او الغضب لكانت في كلّ “لا”بداية لمفاهيم تُزيد من مساحة الامان بين الافراد والثقة بنفسك كونك تملك رفاهية اللا دون أن يقابلها ثمنٌ بليغ،
وضرورة المرونة في تقبّل رفض الأشياء لنا مثلما نسعى إلى سيرورة القبول،
لا في التردد او النهاية الحتمية التي قضت على الوجود لاشخاص أختاروا في لحظة زهد من الخنوع أن يقولوا او يرفضوا سلسلة من القبول السام بكلمة “لا او كفى”
لم نتأسس على فكرة القبول للرفض او الليونة بالتعامل مع اللا، وأنما ترعرعنا على هوسية القبول او الفناء دون ذلك،
“كائنات إلغاء” كما وصفنا سيغموند فرويد وهو يحلل امكانية الكائن البشري في الميل إلى إلغاء أغلب ايجابيات المرء لموقف او سلوك معين قد يشمل رفضه لنا بشكلٍ ما،
هذا السلوك الدرامي المظلم المركب من حفنة عبارات تنص على الهلع المضاد لكلمة نعم، الذي زاد شقاء النفس البشرية بركضِها نحو حافة الشعور لأختيار الجلّادة او الضحية لهذه الكلمة،
فعندما قررت بعض النسوة عبر الازمان أن تستخدمها كصوت أخير يود أن يُسمَع، او كطوق نجاة لكيان نهشته كلمة نعم، كان الثمن هو الإلغاء التام، إنه الرفض الذي تدفع ثمنه أحيانًا طموحك،
وأحيان أخرى يكون الثمن أكثر خشونة وهو حياتك كلها.
يختلف ثمن الرفض من جنسٍ لآخر ففي عالم النساء ثمنه يكون أكثر رعبًا من الرجال، وذلك لأن تركيبة الموروث والأفكار تقضي دائمًا على احتمالية اندماج الأنثى بهذه الكلمة هي أمرٌ محال!
ولطالما كانت نتيجة هذا الدمج هي خسارات حزينة، دون أن يأبه أحد بهذا الحزن، لأنها خسارات مقبولة من العرف المعلن عن صراحته بهذا الشأن، لن يخشى أحد أن يفرح وهو يخسرها!
في أحد المرات سألت مرأة مجموعة من الرجال: “مالذي يخشونه الرجال من النساء؟ كانت الاجابة هي “الخوف من سخرية النساء منهم”
وعندما سألت مجموعة من النساء: “مالذي تخشاه النساء من الرجال؟
كانت الاجابة هي “الخوف من أن يقتلوهن”.