3:48 مساءً / 27 يونيو، 2025
آخر الاخبار

الخوف ليس عدواً ، بل ظلّك حين تخافين من النور ، قراءة وجدانية في نصّ بسمة الصباح ، بقلم: رانية مرجية

الخوف ليس عدواً ، بل ظلّك حين تخافين من النور ، قراءة وجدانية في نصّ بسمة الصباح ، بقلم: رانية مرجية

الخوف ليس عدواً ، بل ظلّك حين تخافين من النور ، قراءة وجدانية في نصّ بسمة الصباح ، بقلم: رانية مرجية

أن تكتب امرأة عن الخوف، ليس بالأمر الجديد…


لكن أن تكتبه بهذه الشفافية، بهذا الأنس، بهذا “الهمس الذي يتقن التخفي” كما تصفه الشاعرة بسمة الصباح، فهو فعل استثنائي يحرّكنا من الداخل، ويفضح تلك المساحة الغامضة التي نحيا فيها ونخجل من الاعتراف بها.

نصّ “الخوف” ليس خاطرة ولا اعترافاً فقط. إنه نصّ وجوديّ بامتياز، تكتب فيه امرأةٌ نفسها، لا لتحلّ عقدة ما، بل لتضيء خيوطها الدقيقة أمامنا، وتدعونا –بكل تواضع شجاع– لنرى وجوهنا في مرآتها.

بين النافذة والمطر: افتتاحية الانكشاف

يفتتح النص بصورة بصرية مدهشة:

“في مساءٍ مطرّزٍ بالمطر..
جلستُ عند حافة النافذة، أراقب المدينة تتنفس تحت الغيم…”

هنا، لا نقرأ فقط مشهدًا شاعريًا، بل طقسًا تأمليًا تتكشّف فيه الذات أمام ذاتها. المطر ليس خلفيةً، بل كثافة شعورية تُغسل فيها الروح. والمدينة المتنفّسة ليست سوى امتداد لداخل المتكلمة، حيث كل شيء يوشك أن يقول ما لا يُقال.

وبين السطرين، هناك امرأة لا تهرب من خوفها، بل تجلس إليه كأنها تحتسيه بهدوء. تراقبه وهو يتربّص بها من داخلها.

صوت الخوف: حين يكون العدو رقيقًا

تصف الكاتبة الخوف بأنه لا يأتي صارخًا، بل “همساً ناعماً يتقن التخفي”. وهنا يكمن التحدي الجوهري للنص: الخوف ليس وحشًا خارجيًا، بل حبيبٌ قديم، يجلس بجانبنا، يربت على أكتافنا، ويقنعنا بأنه يحمينا.

ما كتبته بسمة هنا يُذكّرني بما قاله “رولان بارت”: “أخطر المشاعر ليست تلك التي تصفعك، بل التي تحتضنك برقةٍ حتى تنام في عجزك.”

الخوف كما تصفه الكاتبة هو صوتٌ داخليّ تربّى معنا:

“- لا تفعلي… قد تندمين.
• لا تقولي… قد يُساء فهمك.
• لا تقتربي… فقد تخسرين.”

كأننا نسمع صدى تربيةٍ مجتمعية كاملة، أنثوية بامتياز، تُلقّن النساء أن الأمان في التراجع، لا في المحاولة. أن النجاة في كتم الصوت، لا في رفعه. لكنها تكشف –بعد خبرة مؤلمة– أن هذا “الحذر” كلّفها ذاتها.

مكاشفة نادرة: المرأة التي تخاف… وتعي أنها تفعل

في الجزء الأعمق من النص، نصل إلى اعترافٍ مذهل، يصيب القارئ في قلبه:

“خفتُ من الحبّ، فظلّ قلبي سليماً…
لكنه لم يعرف النبض.”

هنا، تفكك الكاتبة ببساطة فلسفية الخدعة الكبرى: النجاة من الألم لا تعني الحياة. وكم منّا، نساءً ورجالاً، سلِمنا من الخيبة… لكننا لم نعِش شيئاً.

في هذا المقطع، نجد بسمة الصباح لا تكتب فقط ما “شعرت به”، بل تفكّر شعورها، وتدعونا لممارسة جرأة النظر في دواخلنا نحن أيضًا.

شجاعة من نوع آخر: أن تخاف وتفعل

لا تنهي بسمة النص بانتصار وهمي. لا تقول إنها تحررت. بل تقول بصدق موجِع:

“لا أزعم أنني تحررت من خوفي تماماً…
لكنني أدرك أن الشجاعة ليست غياب الخوف، إنما المضيّ رغم وجوده.”

هذا السطر لوحده يصلح أن يكون عنوان حياة كاملة.
ففي زمنٍ تُباع فيه الكتب التي تعدنا بحياة خالية من القلق، تكتب بسمة حقيقةً يعرفها من جرّب: أن القلب المرتجف يستطيع أن يمشي، وأن المرأة المرتابة تستطيع أن تُحب، وأن الصوت المبحوح يستطيع أن يغنّي… ولو وحده.

خاتمة تشبه البداية: عودة إلى الذات… لا إلى الإجابة

في نهاية النص، تكتب:

“وفي قلبي، رغم كلّ ذلك الخوف…
يوجد نور صغير…
اسمه أنا.”

يا لبساطة هذا الختام… ويا لعمقه.

النص لا ينتهي بانتصارٍ خارجيّ، بل بمصادقة الذات. اعترافٌ بأن النور موجود، حتى لو أُحيط بالظلال. وأن المرأة التي ارتجفت، ثم مشت… لم تهزم خوفها، لكنها هزمت الصمت الذي كان يغذّيه.

في النهاية:

بسمة الصباح ليست شاعرة فقط، بل كاشفة أرواح.
تكتب من الحافة، حيث تمشي المرأة في المطر لا لتصل، بل لتشهد على ذاتها، وتقول:
“أنا خائفة… وسأمشي.”

في نصّها، لم تحاول أن تُبهرنا، بل أن تُشبهنا.
وهذا، في زمن التجميل اللغوي والبطولات الكاذبة، أجمل ما يمكن أن يُقال.

شاهد أيضاً

مقتل شاب في جريمة إطلاق نار في بلدة إكسال

شفا – قُتل شاب في العشرينات من عمره، اليوم الجمعة، إثر إصابته بإطلاق رصاص استهدفه، …