
متحف الغياب ، بقلم : وفاء داري
سَهرَتْ أذرعُنا على مهدِ الرمادِ
تنسجُ من صرخاتِ الولادةِ كفناً للكلامْ
أطفالنا..
شظايا زمنٍ يُختَمُ بالدمعِ الواقفِ
على حافةِ عينِ التاريخْ
يَنتظرُ إشارةَ الرحيلِ أو انزياحَ سؤالٍ:
أفي القبرِ يُولدُ وطن؟
أنا الأمُّ المُوغلةُ في مهنةِ الحزنِ،
أوقّعُ شهاداتِ الغيابِ بحبرِ الذاكرةِ العالقِ
بينَ أصابعِ صلاح الدين وفلسطينْ
أبحثُ تحتَ الأنقاضِ عن إبهامٍ صغيرٍ
يعرفُ اسمهُ القديمَ قبلَ أن يصيرَ رقماً
في بيانِ حضارةٍ تتعثّرُ بالصمتْ.
يا صلاحُ، أتسمعُ نواحَ الأرضِ؟
جرحٌ يقطرُ من جولانِ اللوزِ إلى قدس الحنينْ
أطفالُنا يتراقصونَ على حافةِ السكينْ:
جرحُ الرصاصِ.. جرحُ الصمتِ..
وأذرعُ الأمهاتِ تُحوّلُ أشلاءَ الكلامِ
إلى مزاميرَ تبحثُ عن يدٍ تردُّ المسكةْ.
في متحفِ الغيابِ علّقوا صورنا:
هنا انكسرتِ الشمسُ على مرآةِ الضميرْ
هنا تتعلمُ الحجارةُ أنينَ الأمهاتِ
اللائي يُنجبنَ أطفالاً من رمادِ الفجيعةْ
ويُقسمنَ ألا يطلعَ الفجرُ
إلاّ وقد نبتَ في الأحشاءِ قمرٌ جديدْ.
أيُّها المُعَذّبُ في قبركَ الواسعِ
هَلْ تَرى أذرعَنا الممدودةَ كسُجّادِ التوسّلِ؟
ننقّبُ عن سيفِكَ المطمورِ تحتَ رمالِ الخذلان
نغرسهُ في خاصرةِ الليلِ
ليُنبتَ لنا طفلاً من عرقِ الجنوبِ
يحملُ اسمَ درويشٍ ووجهَ صلاحٍ
ويداً تُعيدُ للأرضِ الكبرياءَ
وللدمعِ المُعلّقِ في عينِ الزمنِ
إذناً بالبكاءْ.
هكذا تُرمّمُ الجراحُ بالجراحِ:
نُصهّرُ الصمتَ في بوتقةِ الأنّاتِ،
نخلطُ رمادَ الأطفالِ بترابِ المقدساتِ
ونسكبُهُ مرآةً
تُعيدُ لضحكةِ الكائنِ البريءِ
ألقَها الضائعَ بينَ قبائلَ
تقتتلُ على عذريةِ التاريخِ
وتنسى أن يدَ العدوِّ
تمسحُ دمعةَ الأمِّ
بخرقةِ وطنٍ ممزقةٍ
على سريرِ المؤامراتْ.
صلاحُ…
الموتُ ليس يدا ترفضُ المسكةْ،
إنّهُ الغيابُ الذي يُنبتُ في أحشائنا
أنجماً تبحثُ عن مدارٍ
في سماءٍ لا تعرفُ سوى لغةِ الشتاتْ
تعالَ…
فالدمعُ الواقفُ على حافةِ الوجودِ
يصرخُ:
أنا بخيرُ… لو بحركةٍ
تستعيدُ من متحفِ الغيابِ
ذراعاً لا تُغلقُ
إلاّ على قبضةِ الحياةْ.
مزيجٌ من رائحةِ ترابِ القدسِ وعبيرِ درويشْ،
هتافٌ لذراعٍ تبحثُ عن كتفِ الزمنِ الضائعِ
تحت أنقاضِ الخطيئةِ
حيثُ يُولدُ الوطنُ
من رحمِ الفجيعةْ.
وفاء داري/ فلسطين
اللوحة التعبيرية بريشة الفنان د. جمال بدوان سفير الفن الفلسطيني