4:53 مساءً / 22 يونيو، 2025
آخر الاخبار

من يستطيع أن يُعرب كلمة “صُمير”؟ بقلم: رانية مرجية

من يستطيع أن يُعرب كلمة “صُمير”؟ بقلم: رانية مرجية


من يستطيع، حقًا، أن يُعرب كلمة “صُمير”؟
سؤالٌ يبدو للوهلة الأولى بريئًا، لغويًا، تعليميًا، ربما سؤالًا طرحه تلميذ في الصف الثالث، مُتهكّمًا أو بريئًا، في حصة قواعد مهملة، تحت سقفٍ منهك في مدرسة حدودية، بلا طباشير، بلا تدفئة، بلا معنى.
ولكنّ “صُمير”، يا سادة، ليست كلمة عابرة.
إنها جرح لغوي، طعنة في خاصرة المعنى، نداء يتيم من طفلٍ لم تُعلّمه المدارس كيف يكتب “ضمير”، لأنه لم يجد يومًا من يُجسّده له حيًّا.
“صُمير”…
هكذا نطقها، على الأغلب، طفل فلسطيني أرهقه الحصار، نسي كيف يُصاغ الاسم الصحيح، فابتدع الكلمة من رحم حاجته.
قالها بعفوية، فصفّق له رفاقه، وضحك المعلّم، وربما قال له: “اجلس! لا وجود لكلمة كهذه!”
لكنني أقول اليوم، في هذا المقال، إن كلمة “صُمير” يجب أن تُدرّس، تُشرح، تُنقش على جدران الوزارات، تُعَلَّق فوق رؤوس السياسيين، ويُمنح كل طفل فلسطيني وسامًا على اختراعها.
“صُمير” ليست خطأ لغويًا، بل الحقيقة الوحيدة المتبقية من اللغة.
هي المجهول الذي لا يعترف به النحو، لأن الفاعل ضاع، والمفعول هُجّر، والضمير استُشهد.
هي الاسم المنصوب في جملة مفيدة تبدأ ب”في وطنٍ يُعتقل فيه الحرف”، ولا تنتهي.
هي الفعل الناقص الذي كان يُفترض أن يُكمِل ذاته بالكرامة، لكن الكرامة فُقدت في المعاجم.

منذ سنوات، واللغة تُخاطبنا من عُلوّها الفارغ، بمجازاتها الكبرى وقواعدها الرتيبة.
لكن الطفل الذي قال “صُمير” قلب الطاولة، اخترع كلمة لا قواعد لها إلا الألم، لا اشتقاق لها إلا من الإهمال، لا جمع لها، لأنها مفردة كما اليُتم، وواحدة كما الخيبة.
“صُمير” ليست شيئًا يُعرَب، بل شيء يُبكَى عليه.
هي ضميرٌ مجرورٌ بحرف القهر، مكسورٌ بظرف المكان: “هناك”، في الزاوية التي لا تدخلها الكاميرات.
مرفوعٌ على رايات الصمت، منصوبٌ على المنابر التي تبيع اللغة وتشتري التصفيق.

من يُعرب “صُمير”؟
أيّ أكاديميّ جرّب أن يسأل نفسه، لا طلبته:
أين ذهب الضمير في مناهجنا؟
أين ذهب حين صمتنا أمام مذابح؟
حين صافحنا قاتلينا باسم الواقعية؟
حين استبدلنا الحرية بالتدجين، والمقاومة بالإملاء؟
أي معلّم وقف يومًا وقال لتلاميذه:
“اليوم لن نُعرب الجملة. اليوم سنتأملها. وسنبحث في ضميرها المستتر، إن وُجد”.
“صُمير” هي المرآة المكسورة التي نرى فيها تشوّه لغتنا، تشوّه أنفسنا.
هي كناية عن وطن لم نُجِد التعبير عنه، فاخترعنا له كلمات معطوبة.
هي استعارة لطفل حاول أن يتكلّم بلغة لم تعُد تخصّه، فاخترع لغته الخاصة.

فمن يجرؤ اليوم على إعراب “صُمير”؟


لا أحد.
لأنّ “صُمير” ليست جملة تحتاج إلى تحليل صرفي، بل وطن يحتاج إلى تحليلٍ أخلاقي.
لأن “صُمير” ليست اسمًا ولا فعلًا ولا حرفًا، بل صرخة.
“صُمير” هي الضمير حين يُطفأ، وحين يُستبدل بالمصالح.
هي الضمير حين يصبح علامة تعجب، أو فاصلة تُفصل بين الحقيقة والادّعاء.
فاحفظوها جيدًا:
“صُمير”: اسمٌ ممنوع من الصرف، لأنه لم يُصرف له شيءٌ من العدل.
مرفوعٌ بالرغبة في الحياة، منصوبٌ بالخذلان، مجرورٌ بالهزيمة.
“صُمير” هي قصيدتي القادمة، وأملي القادم، وربما – أخيرًا – لغتي القادمة

شاهد أيضاً

سلطة الأراضي تسلم تخصيصا لصالح دائرة شؤون اللاجئين لمنفعة مخيم عسكر

سلطة الأراضي تسلم تخصيصا لصالح دائرة شؤون اللاجئين لمنفعة مخيم عسكر

شفا – استقبل رئيس سلطة الأراضي المستشار علاء التميمي، اليوم الأحد، في مكتبة عضو اللجنة …