3:34 مساءً / 20 يونيو، 2025
آخر الاخبار

فلسطين تختنق ، شرايين مقطوعة، وأمل يتلاشى ، بقلم: د. إياد يعقوب يعقوب

فلسطين تختنق ، شرايين مقطوعة، وأمل يتلاشى ، بقلم: د. إياد يعقوب يعقوب

فلسطين تختنق: شرايين مقطوعة، وأمل يتلاشى ، بقلم : د. إياد يعقوب يعقوب

في الوقت الذي يتسابق فيه العالم نحو التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة، يعيش الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة واقعًا مختلفًا تمامًا، واقعًا تتراجع فيه الحياة إلى حدود البقاء فقط. في فلسطين، لا مجال للحديث عن تطور أو استقرار، بل عن الصمود في وجه حصار متكامل، عسكري واقتصادي ومالي واجتماعي، يضرب كل تفاصيل الحياة اليومية للمواطن.

تنتشر اليوم 898 بوابة وحاجزًا عسكريًا إسرائيليًا على امتداد الضفة الغربية. هذه الحواجز لا تشكل مجرد عوائق مؤقتة، بل هي جدران فصل وتقييد، تقطع شرايين الوطن وتمزق نسيجه. مواطنون يُحتجزون لساعات دون سبب، طلبة لا يصلون إلى جامعاتهم، مرضى يُمنعون من الوصول إلى مشافيهم، وأُسر تُحرم من زيارة أحبائها. إنها سياسة منهجية لخنق الوجود الفلسطيني جغرافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا.


في ظل هذا الخنق الميداني، تعصف أزمة المحروقات بالمجتمع الفلسطيني من أقصاه إلى أقصاه. محطات الوقود شبه فارغة، وسائل النقل تتوقف، والمخابز باتت تحذر من الإغلاق الوشيك بسبب نفاد الغاز والديزل. القطاع الخاص يشهد ركودًا خانقًا بسبب ارتفاع التكاليف وقلة الموارد. المواطن الفلسطيني بات يبحث عن لتر بنزين كما يبحث عن لقمة خبز


وفي خضم هذا الانهيار، تأخر صرف رواتب موظفي القطاع العام لعدة اشهر على التوالي. عشرات الآلاف من الأسر بلا مصدر دخل، والقدرة الشرائية تتآكل بشكل مخيف. الأسواق فارغة، الدين الداخلي يتفاقم، وأبواب الجمعيات الخيرية لم تعد تكفي. هذه ليست أزمة مالية فقط، بل أزمة ثقة ومستقبل، تهدد بانهيار بنية الدولة الاجتماعية والاقتصادية.
في هذا السياق، يُفرض على المواطنين التخلي عن استخدام النقد، ويتم الدفع نحو استخدام بطاقات رقمية، في نظام غير مؤهل، يفتقر إلى العدالة الرقمية، ويخضع لمراقبة دائمة. يتم بذلك انتزاع آخر ما تبقى من خصوصية المواطن وسيطرته على ماله، وتحويل حياته إلى معاملة رقمية تخضع للرقابة والمنع متى شاءت السلطات.

أما التعليم، فلم ينجُ من هذا الحصار المركّب. بسبب إغلاق الطرق وعدم قدرة الطلبة على الوصول إلى جامعاتهم، اضطرت الجامعات إلى التحول نحو التعليم الإلكتروني. لكنه تحول غير عادل، لم يُجهز له بما يكفي، ويعمّق الفجوة بين من يملك اتصالًا جيدًا بالإنترنت ومن لا يملكه، وبين من يسكن في مدينة ومن يعيش في قرية أو مخيم. التعليم هنا ليس حقًا مضمونًا، بل تحدٍ يومي محفوف بالعقبات.


وفي القطاع الصحي، دخلت الصيدليات في مقاطعة غير معلنة لشركات التأمين الصحي، احتجاجًا على الديون المتراكمة. المواطن، وخاصة المرضى المزمنين، يجد نفسه يتنقل من صيدلية لأخرى بحثًا عن دواء لا يستطيع دفع ثمنه نقدًا ولا عبر التأمين.


على الأرض، لا تهدأ الاعتداءات اليومية التي ينفذها المستوطنون على مرأى ومسمع الجيش الإسرائيلي. اقتحام قرى، إحراق مركبات، اعتداءات جسدية على المزارعين، واقتلاع أشجار الزيتون. في المقابل، الفلسطيني بلا حماية، بلا ردع قانوني، وبلا مجتمع دولي ينصفه أو حتى يسمع صوته.

أمام هذا المشهد القاتم، تتوجه الحكومة الفلسطينية إلى الدول العربية مستجدية شبكة أمان مالية تحمي ما تبقى من بنية الحكم. لكن السؤال المطروح: هل لا تزال هذه الشبكات قادرة على الترميم؟ وهل يكفي المال وحده إذا غاب الموقف السياسي الحاسم الذي يضع حدًا لهذا النزيف اليومي؟


ما يجري في فلسطين ليس أزمة عابرة، بل انهيار منظم لأسس الحياة. المواطن لم يعد يطالب برفاهية، بل بحقه في الماء والدواء والتنقل والتعليم. لم يعد السؤال متى تتحسن الظروف، بل هل سنبقى أصلًا لننتظر هذا التحسن. إنها صرخة بوجه الصمت، ونداء إنساني يتجاوز السياسة، يطالب فقط بأن لا يُترك الفلسطيني وحيدًا في مواجهة هذا الاختناق البطيء والممنهج.

شاهد أيضاً

الاحتلال يستولي على 16 منزلا ويعتقل 10 مواطنين في عنزة جنوب جنين

الاحتلال يستولي على 16 منزلا ويعتقل 10 مواطنين في عنزة جنوب جنين

شفا – واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الجمعة، اقتحامها لقرية عنزة جنوب جنين لليوم الثاني …