
الشهيد الأسير فيصل طلال صالح زاهدة ، الحيّ في ذاكرة الخليل ، بقلم : المهندس غسان جابر
في صبيحة الأول من تموز/يوليو عام 1970، ارتقى المقاتل الفلسطيني فيصل طلال صالح زاهدة شهيداً في كمين إسرائيلي غادر، لكنه لم يغادر وجدان شعبه، ولا ذاكرة وطنه. وُلد فيصل في مدينة الخليل عام 1946، وترعرع في أزقتها العتيقة على حب الأرض والكرامة، ولم يتأخر لحظةً في الالتحاق بركب المقاومة بعد نكسة حزيران 1967. حينها، اختار طريق الفداء، فانضم إلى صفوف قوات الداخل، الذراع العسكرية السرية للثورة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة، ليكون من أوائل من قرروا أن الرد على الاحتلال لا يكون إلا بالنار.
الاشتباك الأخير: نصف ساعة من الخلود
بعد سلسلة من العمليات الجريئة ضد قوات الاحتلال، وُضِع فيصل ورفاقه تحت المراقبة المشددة من قبل استخبارات العدو. وفيما كانوا يستعدون لمغادرة الأرض المحتلة عبر البحر الميت بواسطة قوارب مطاطية، وفق تعليمات قيادتهم في الخارج، وقعوا في كمين مدبّر في منطقة النبي يقين شرق بني نعيم. لم يفاجَؤوا فحسب، بل طُوّقوا بوابل كثيف من الرصاص. لكنهم لم يستسلموا. قاتل فيصل ورفاقه حتى الرمق الأخير، ودام الاشتباك لأكثر من ثلاثين دقيقة. كانت معركة قصيرة بزمنها، عظيمة بمعناها. معركة صاغ فيها المقاتلون معنى التضحية، وارتقى فيها فيصل شهيداً مرفوع الرأس، مقاتلاً حتى آخر طلقة.
أسير حتى بعد الشهادة
لم تكتفِ سلطات الاحتلال بقتله. بل اختطفت جثمانه، واحتجزته في ما يُعرف بـ”مقابر الأرقام”، حيث تُدفن جثامين الشهداء في قبور مجهولة بلا أسماء، في جريمة أخلاقية مستمرة. خمسون عاماً وأكثر مضت، وجثمان فيصل لا يزال محتجزاً، كأنهم يخشون من جسد لا يزال يحمل معنى التحدي، ويدركون أن في كل شهيدٍ قصة أقوى من الموت.
رمز لا ينطفئ: فيصل في ذاكرة الأجيال
لم يتزوج فيصل، ولم يترك أبناءً، لكنه أنجب بأسطورته أجيالاً من المقاتلين، وغرس في وعي الشباب الفلسطيني دروساً في الكرامة والعناد الوطني. اسمه لا يُذكر إلا مقروناً بالإقدام، وصورته لا تغيب عن ذاكرة المدينة التي أحبها ومات دفاعاً عنها. في زمن الانقسام السياسي وتفشي الإحباط، تُضيء سيرة فيصل زاهدة دروب المقاومة من جديد، وتعيد التأكيد أن فلسطين تُصان بالتضحيات، لا بالكلام.
فلسطين لا تنسى أبناءها
اليوم، حين نُعيد سرد حكاية فيصل، فإننا لا نكتب تأبينةً، بل نُجدّد العهد. نُذكّر أن الدم الفلسطيني ليس رخيصاً، وأن زمن الشهداء لا ينتهي ما دام هناك احتلال. لا مقبرة ولا كمين ولا زمن طويل كفيل بطمس نوره. فهو باقٍ، في وجدان الأمهات، في كتب التاريخ، وفي عيون الأطفال الذين يولدون على أمل التحرير.
المجد لفيصل طلال صالح زاهدة…
المجد لكل من آمن أن النصر يُكتب بالدم، لا بالمداد.
- – م. غسان جابر – مهندس و سياسي فلسطيني – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية – نائب رئيس لجنة تجار باب الزاوية و البلدة القديمة في الخليل.
