
في غزة… بقلم : علاء عاشور
في غزة، لا يأكلون الخبز بل أوراق الصبر اليابسة،
يمضغونها بأسنان الألم، يبتلعونها مع شهيق القهر.
يشربون من ماء تلوثَ بعناوين العروبة،
ماءٌ مالح كخيانةِ الأخ،
ماءٌ مخلوطٌ بدم الضحايا وصمت الجامعة العربية.
ضاقت عليهم أزقة الذكريات،
وتحولت النوافذ إلى عيون باكية،
كل زقاق يحمل وجعًا،
كل حجرٍ يتذكر اسم طفلٍ لم يكتمل نطقه للحياة.
ها هم جوعى، بلا مأوى،
يجمعون شتات الحنين في أكفّ اليتامى،
ويبيتون على رمادٍ كان يومًا فراشًا.
الطفولة تُذبح على مقصلة الطغاة،
والخُضرُ لا يبالون،
والملائكة تبكي، لا من الخوف، بل من العجز.
قدسية الموت ضاعت،
تناثرت مع أشلاء الصغار فوق الأرصفة،
وارتفعت صيحات الوجع فوق مآذن المساجد
دون مجيب.
الْتَتَرُ لم يغادروا،
لا يزالون يذبحون،
بلغ السيل الزُبَى،
ولا عدل يُرْتَجى، ولا نصر يُرتقب
من أولئك الذين كانوا إخوة في الرياء،
يتشدقون بالوحدة وهم يمضغون ثمار التفرقة.
يا إخوتي، الجمر تحت أقدامكم،
والرماد يغطي الأحلام.
يمضي يومٌ… ويومان…
ولا تنتهي مجزرة الزمن،
كأن الوقت توقف في غزة،
وتحول إلى شاهد زور.
من يُصدق هذا الوجع؟
من يُصدق أن أناسًا يسيرون عُراة،
لا من ثياب، بل من رحمةٍ أو ملاذ،
تحت نيران المعارك،
وتقلبات السماء التي تبدو وكأنها تبارك القصف بالصمت.
الكلُّ تخلى عنكم، يا رفاقي،
حتى الكلاب… بل حتى الكلاب رحمتْكم.
لكنّ القطط والطيور وحدها لا تزال وفية،
تفترس لحمكم على الأرصفة،
تستلذُّ برائحتكم بعد أن أنكرها العالم،
بعد أن بصق أبناء الكلاب في وجوهكم،
وتركوا جثثكم على بوابة التاريخ دون صلاة.
غزة العزة… لله درك.
في دولة الغاز، يعلو الهتاف للسيف،
بينما يرقص الساسة تحت مكيفات الخيانة،
يشربون نخب الانتصارات الوهمية،
ولا يكترثون لتمزيق أحلام الأطفال،
ولا لدمى الحكايات التي صارت تحت الركام.
يقولون:
“دعوهم يقاتلون… نحن ندعم بالكلمات.”
كأن الكلمات تطفئ نار القذائف.
كأن الخطابات تحمي من الطائرات.
وها نحن نعيش تحت حماية أحفاد المغول،
من دمّروا بغداد، وسحقوا حضارة العراق.
لو كان صدام حيًا،
لربما اختلفت الموازين،
لكن… هيهات،
هيهات لأحلامٍ دُفنت مع جثث التاريخ،
هيهات لمن ظن أن الموتى ينهضون لإصلاح الخراب.