
محمد محمود محمد مناصرة… أيقونة الصمود الفلسطيني ومثال المناضل الذي لا يلين ، بقلم : المهندس غسان جابر
في صفحات التاريخ الفلسطيني المجبولة بالدم والكرامة، تبرز أسماء من نور، تحوّلت إلى رموز خالدة في ذاكرة الوطن، لأنهم لم يرفعوا الراية البيضاء يومًا، بل حملوا الوطن في قلوبهم، وساروا في دروب النضال بثبات وإيمان.
أحد هؤلاء العظماء هو المناضل محمد محمود محمد مناصرة، الذي ولد في بلدة بني نعيم قضاء الخليل في الأول من آذار عام 1953، ليكون شاهدًا على مراحل مفصلية من النكبة والاحتلال، ومشاركًا فاعلًا في مسيرة التحرر الوطني الفلسطيني.
النضال داخل الوطن… خيار الواجب وليس المجد
في عام 1975، اختار محمد مناصرة أن يكون في قلب المواجهة، منخرطًا في صفوف حركة فتح، مقاوماً من داخل الأرض المحتلة، وهو الخيار الأصعب والأشرف. لم يبحث عن منصب أو شهرة، بل عن واجب وكرامة.
في الأول من أيار من العام ذاته، اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي، وحُكم عليه بالسجن لمدة 25 عاماً، بسبب انخراطه في العمل الفدائي والمقاومة المسلحة. لكنه، كما كان دائمًا، لم ينكسر.
من زنازين السجون إلى ميادين الكرامة
داخل السجون، كان محمد مناصرة من طلائع المناضلين، مشاركًا في الإضرابات عن الطعام، والعصيان المدني، والاحتجاجات ضد ظروف الاعتقال القاسية. سُجن جسده، لكن إرادته ظلت طليقة، تزرع الأمل في قلوب الأسرى، وتُعلي راية المقاومة.
عشر سنوات من القهر والعزلة والتعذيب، لكنها لم تُثنه. بل خرج في صفقة تبادل الأسرى (عملية الجليل) عام 1985 مرفوع الرأس، ليعود إلى شعبه ورفاق دربه كأيقونة نضال، وروح لا تُقهر.
مناضلٌ لا يعرف التقاعد من حب الوطن
لم ينكفئ مناصرة بعد خروجه من الأسر، بل واصل خدمته في مسيرة التحرير والبناء. ومع عودة قوات الأمن الوطني الفلسطيني عام 1994، التحق بجهاز المخابرات العامة في المحافظات الشمالية، وكان من رجال المرحلة الذين أسسوا لبنية أمنية وطنية، تليق بتضحيات الشعب.
تقاعد في الأول من آذار 2006، برتبة مقدم، وهي رتبة لم تكن مجرّد شارة عسكرية، بل وسام نضال وشهادة وفاء لمسيرة من العطاء الذي لم ينقطع.
الوداع الأخير… لكنه الحاضر في كل حين
في 20 يناير 2025، ترجل فارس من فرسان فلسطين. رحل محمد مناصرة إلى مثواه الأخير، وشيّعه أهله وأحباؤه وأبناء شعبه بكل فخر، كمناضلٍ عتيق، خاض معركته حتى النفس الأخير.
لكن أمثال مناصرة لا يموتون، لأنهم يسكنون الذاكرة الوطنية، ويحيون في كل جيل جديد يحمل الحجر، ويرفع العلم، ويتمسك بالحق والكرامة.
رسالة إلى الأجيال… الصمود هو البوصلة
إنّ نضال محمد محمود مناصرة ليس مجرد فصل في كتاب، بل هو رسالة حية للأجيال الشابة:
أن المقاومة ليست سلاحًا فحسب، بل مبدأ وكرامة وهوية.
أنّ النضال في أصعب الظروف هو ما يصنع الرجال، وهو ما يحفظ الحكاية الفلسطينية من التآكل أو النسيان.
أنّ كل خطوة على تراب الوطن، سبقها عرق وشهداء وأسرى ومناضلون، فتحوا الطريق بدمهم كي نستمر.
نقول : المجد للمناضلين، والوفاء للعهد
نودّع محمد مناصرة بالجسد، لكننا نستحضره في كل وقفة عز، وكل مواجهة مع المحتل، وكل حلم فلسطيني بالحرية.
هو ليس فقط مناضلًا من زمن الثورة، بل مدرسة في الوفاء، وشاهد على أن الصمود خيار شعب، لا ينهزم ولا ينسى.
رحم الله المناضل محمد محمود محمد مناصرة، وخلّد ذكراه في وجدان الأمة، وجعل نضاله وقودًا للاستمرار، حتى فجر الحرية والعودة.
- – م. غسان جابر – مهندس و سياسي فلسطيني – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية – نائب رئيس لجنة تجار باب الزاوية و البلدة القديمة في الخليل.