
ال ثقافة استعراض ، عندما تصبح الكتابة زيًّا اجتماعيًا ، بقلم : علاء عاشور
في زمن اختلطت فيه المفاهيم، وغدت الثقافة مجرد واجهة اجتماعية، نشهد اليوم مشهدًا غريبًا: تحول الكتابة إلى نوع من “البرستيج” لا أكثر، أداة تزيّن بها الطبقات المتعلّمة صورها على وسائل التواصل وتفاخر بها في الجلسات النخبوية.
لم تعد الكتابة اليوم مشروعًا فكريًا أو فعلاً ثوريًا كما كانت، بل أصبحت، في كثير من الأحيان، سلعة تُعرض في السوق المفتوح، تُكتب بأسلوب مثاليّ منمّق، لا يشبه حياة كاتبها ولا سلوكه اليومي، وتُقرأ بدافع الإعجاب لا الفهم، والتصفيق لا النقاش. نحن أمام مشهد ثقافي يملؤه التكلّف، حيث تسود لغة لا تنتمي إلى الواقع، بل تُستخدم فقط لتعزيز صورة الكاتب كمثقف “متقد الذهن”، أو كصاحب موقف راديكالي وإن كان ذلك على الورق فقط.
الأمر لا يقتصر على الكتابة، بل يمتد إلى الانتماء السياسي. أصبح الانضمام إلى تيار يساري ما، بالنسبة للبعض، بطاقة تعريف يتباهى بها، لا التزامًا فكريًا أو نضالًا حقيقيًا. نشهد اليوم من يعلنون بفخر أنهم “أبناء ماركس ولينين”، بينما يعيشون في ترف فكري ونخبوي لا يمت بصلة إلى الطبقات التي ادّعى ماركس الانتصار لها. شعارات تُرفع، ومقولات تُردَّد، لكن دون ممارسة فعلية أو التزام بقضايا الناس الحقيقية.
إننا نعيش عصر “الانتحال الثقافي”، حيث يسهل على أيٍّ كان أن يركب موجة التنظير، ويتلبّس عباءة المفكر، ويُدرج اسمه في قوائم المثقفين لمجرد تدوينة أو كتاب فاخر الإخراج. وفي خضم هذا الضجيج، يضيع الصوت الحقيقي للثقافة: ذلك الصوت القلق، المسكون بالأسئلة، والمشحون بهموم الناس، لا بهوس الظهور.
ربما آن الأوان لنسأل: هل المثقف هو من يكتب كثيرًا، أم من يفكّر بصدق؟ وهل الانتماء فكرة تُعاش أم لافتة تُعلّق؟