
نهب الأرض تحت جنازير البلدوزر، السياسات الإسرائيلية في كفر الديك وبروقين نموذجًا ، بقلم: د. عمر السلخي
بينما ينشغل العالم بالحروب والصراعات المفتوحة، تدور في الضفة الغربية مسابقة يومية مع الزمن، عنوانها: نهب الأرض الفلسطينية، تحت رعاية مباشرة من الحكومة الإسرائيلية، وبمباركة المؤسسة العسكرية، وسكوتٍ دوليٍّ مريب.
في بلدتي كفر الديك وبروقين، غرب محافظة سلفيت، لا تُخطئ العين المشهد: عشرات البلدوزرات الإسرائيلية تجتاح التلال والوديان، تجرف الحقول، وتقتلع الأشجار، في عمليات منظمة هدفها توسيع المستوطنات القائمة وبناء بؤر جديدة على ما تبقى من الأراضي الخاصة الفلسطينية.
سياسة منهجية لتغيير الجغرافيا
ما يجري ليس مجرد اعتداءات متفرقة أو تجاوزات فردية، بل سياسة ممنهجة تشكل جزءًا من استراتيجية أوسع تسعى لتفريغ المناطق الفلسطينية من سكانها الأصليين، وفرض وقائع ديموغرافية وجغرافية جديدة، تمهيدًا لضم فعلي للمنطقة (ج) التي تُشكّل أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية، وتصل إلى ٧٦% في اراضي محافظة سلفيت.
تعمل الحكومة الإسرائيلية – وبدعم من مؤسسات استيطانية يمينية – على تحويل كل شبر من الأرض إلى مشروع استيطاني. في كفر الديك وحدها، خسر المواطنون آلاف الدونمات لصالح مستوطنات مثل بدوئيل، علي زهاف، وليشم، التي تتمدد بلا توقف، تارة بغطاء أمني، وتارة بقرارات إدارية، وتارة ثالثة بذريعة “أوامر مصادرة مؤقتة”.
وفي بروقين يتم نهب الارض لصالح مستوطنة ارئيل الصناعية ومستوطنة بروخين.
عزل سلفيت: العقوبة الجماعية وسلاح الجغرافيا
إلى جانب نهب الأراضي، تسعى إسرائيل إلى عزل مركز محافظة سلفيت عن محيطها الطبيعي، من خلال إغلاق الطرق الحيوية، وتقطيع أوصال القرى. بوابات حديدية، حواجز دائمة، طرق استيطانية تلتهم أراضي المزارعين وتمنعهم من الوصول إلى أرزاقهم، تجعل من حياة الفلسطيني مشروع معاناة يومي.
بهذا الشكل، لا يُنظر إلى الأرض كوسيلة عيش فقط، بل كرمز للهوية الوطنية، وركيزة لوجود الفلسطيني على هذه الأرض. ومن هنا يأتي الإصرار على مقاومتهم للنهب، بكل الوسائل الممكنة، رغم الفارق الهائل في القوة.
دعم حكومي للاستيطان: من الجرافة إلى القانون
منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية اليمينية الأخيرة، تضاعفت ميزانيات الاستيطان، وتم تسريع إجراءات شرعنة البؤر العشوائية، بل وتكليف وزارات كاملة بتنظيم خطط التوسع الاستيطاني. فالمصادرة لم تعد تحتاج إلى قرار قضائي، بل تتم عبر “أوامر طوارئ”، وأحيانًا باسم “توسيع الطرق” أو “الاحتياجات الأمنية”.
وزراء إسرائيليون يتفاخرون علنًا بعدد الوحدات الاستيطانية الجديدة، ويصوّرون السيطرة على الأراضي الفلسطينية كـ”نصر قومي”، في خطاب يُحاكي عقلية استعمارية قديمة تُلبَس بثوب ديني أو قومي.
واجبنا الوطني والإنساني
إن ما يحدث في كفر الديك وبروقين هو صورة مصغرة لواقع أوسع، يتهدد كل بيت فلسطيني في المنطقة (ج)، ويستدعي موقفًا فلسطينيًا موحدًا، واستنفارًا دوليًا حقيقيًا. إن الدفاع عن الأرض اليوم لم يعد مسؤولية أصحابها فقط، بل واجب وطني يقع على عاتق الكل الفلسطيني، بكل مستوياته.
يجب أن تُرفع هذه القضية إلى كل المحافل الدولية، وأن يُفضح السلوك الإسرائيلي كجريمة استعمار استيطاني عنصري، يُخالف القانون الدولي، ويُهدد فرص تحقيق السلام العادل.
ففي كفر الديك وبروقين، لا تُدمر الحقول فقط، بل يُغتال المستقبل الفلسطيني برمّته.