4:49 مساءً / 17 مايو، 2025
آخر الاخبار

ترامب في الخليج ، صفقات بلا سلام، وصمت مدوٍّ تجاه غزة ، بقلم : د. خالد جاسر سليم

ترامب في الخليج ، صفقات بلا سلام، وصمت مدوٍّ تجاه غزة ، بقلم : د. خالد جاسر سليم

ترامب في الخليج ، صفقات بلا سلام، وصمت مدوٍّ تجاه غزة ، بقلم : د. خالد جاسر سليم


جاءت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية وقطر والإمارات بين 13 و15 أيار/مايو في لحظة سياسية شديدة الحساسية، إذ نجح خلالها في حشد التزامات استثمارية تجاوزت ثلاثة تريليونات دولار، وأعاد تفعيل الدور الأمريكي في الخليج في سياق تنافسي حاد مع القوى الدولية الكبرى، لا سيما على المستويين الاقتصادي والجيوسياسي. لكن الزيارة التي تزامنت مع استمرار العدوان الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة، الذي دخل شهره العشرين، في ظل حصار وتجويع وتدمير ممنهجين، ومحاولات متواصلة للتهجير والتطهير العرقي. هذه الزيارة التي اثارت جدلًا واسعًا في الأوساط الفلسطينية؛ حيث اعتبرها البعض مؤشرًا على تحول استراتيجي وانحسار لدور إسرائيل لصالح تفاهمات إقليمية ودولية تجري بمعزل عنها، وان حالة الفتور التي تعتري العلاقة بين ترامب ونتنياهو تعكس تحولا في السياسات الامريكية نحو مقاربة اكثر استقلالية في إدارة الملف الفلسطيني. في المقابل، يرى فيها آخرون توزيعا للادوار بين الولايات المتحدة وإسرائيل.


وانطلاقًا من هذا التباين في القراءات، تسعى هذه المقالة إلى فحص كلا الاتجاهين من خلال تحليل مضمون شامل للخطابات الأربعة التي ألقاها الرئيس دونالد ترامب خلال زيارته إلى الخليج – في مؤتمر الاستثمار السعودي–الأمريكي في الرياض، وقاعدة العديد الجوية في قطر، ولقاءيه مع أمير قطر ورئيس دولة الإمارات – والتي بلغ مجموع مدتها نحو 120 دقيقة، من خلال الاستماع الكامل والتفكيك المنهجي للمضامين السياسية المعلنة والضمنية، بهدف فهم كيفية تقديم ترامب لموقفه من العدوان على غزة، وكيفية تعامله مع ملف التسوية السياسية وحل الدولتين، وما إذا كانت خطاباته تعكس تحولًا استراتيجيًا في العلاقة الأمريكية مع إسرائيل. كما يناقش التحليل الآثار المترتبة على هذه المقاربة في المدى القريب والمتوسط والبعيد، ويختم بطرح سؤال محوري: ما الرد الفلسطيني المطلوب لمواجهة ما يبدو محاولة ممنهجة لإعادة تعريف الصراع وتصفية القضية الفلسطينية ضمن هندسة إقليمية جديدة؟

قدّم دونالد ترامب في خطاباته إدانة صريحة للمقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، محمّلًا إياها المسؤولية الكاملة عن هجوم 7 أكتوبر، الذي وصفه بأنه “واحد من أسوأ الأيام في تاريخ الشرق الأوسط”. وقد كرّر مرارًا مقولته: “7 أكتوبر لم يكن ليحدث لو كنت أنا رئيسًا… لأن إيران كانت مفلسة، لم تكن قادرة على تمويل حماس.” هذا التكرار يعكس تبنّيًا كاملًا لمعادلة الأمن الإسرائيلي، ويعيد تأطير الصراع ضمن ثنائية مبسّطة بين إسرائيل و”وكلاء إيران”، متجاهلًا السياق البنيوي المتمثل في الاحتلال، والحصار، والتجويع، وسياسات الإبادة والتطهير العرقي المتواصلة منذ أكثر منذ اكثر من تسعة عشر شهرًا.


وفي اطار تبنّيه الكامل للسردية الإسرائيلية، خلت خطابات ترامب من أي مطالبة صريحة بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، واقتصرت الإشارات إلى المأساة الإنسانية على تعبيرات عاطفية منفصلة عن أي موقف سياسي واضح. فعلى الرغم من قوله: “الناس في غزة يُعاملون بطريقة فظيعة… إنه أمر مروّع”، فإن هذا التصريح، عند قراءته في سياق شخصيته النرجسية، يبدو تعاطفًا شكليًا يفتقر إلى مضمون إنساني حقيقي، ويخلو من أي التزام أخلاقي تجاه الضحايا. ويتعزز هذا الانطباع بإسراعه إلى تحميل حركة حماس مسؤولية المعاناة، بقوله: “لكن ذلك لا يمكن أن يحدث طالما أن قادتهم يختطفون ويعذبون الأبرياء.” وهو خطاب يُفرغ التعاطف من أي بعد حقوقي، ويعيد إنتاج الرواية الإسرائيلية التي تُدين المقاومة وتُبرّئ الاحتلال، من دون أن يتضمّن أي دعوة لوقف العدوان أو لمحاسبة الجهة المعتدية.


وفي سياق لاحق، أطلق ترامب تصريحًا أثار جدلًا واسعًا، اعتبره بعض المراقبين تراجعًا جزئيًا أو إعادة صياغة مخففة لدعوة سابقة للتهجير، حيث قال: “لدي مفاهيم جيدة جدًا لغزة… اجعلوها منطقة حرية. دعوا الولايات المتحدة تأخذ غزة وتحولها إلى منطقة حرية.” كما عبّر عن قلقه من تدهور الأوضاع بقوله: “الكثير من الناس يتضورون جوعًا في غزة… هناك الكثير من الأشياء السيئة تحدث.” ومع ذلك، فإن هذه التصريحات، رغم لغتها المختلفة نسبيًا، لم تُقدّم طرحًا سياسيًا متكاملًا، بل جاءت في سياق مستمر من تحميل الفلسطينيين مسؤولية مصيرهم، دون أي إشارة لدور إسرائيل عن الكارثة الإنسانية الممتدة.


فضلا عما سبق، يكشف تحليل الخطابات عن تغييب متعمّد لأي إشارة إلى حل الدولتين أو الاعتراف بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني. فعلى الرغم من أن رئيس مجلس التعاون الخليجي، خلال الاجتماع الذي جمع ترامب بقادة دول المجلس، وجّه دعوة صريحة إلى وقف العدوان الإسرائيلي والتوصل إلى حل عادل ينهي الاحتلال ويقود إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، تجاهل ترامب هذا المطلب كليًا. لم يقدّم أي تصور لتسوية سياسية، ولا حتى إعادة تكرار أو تعديل لـ”صفقة القرن” التي طرحها في ولايته الأولى. في هذه المرة، غابت أية مبادرة، حتى الشكلية منها، ليقتصر خطابه على الترويج لاتفاقيات “أبراهام” بوصفها المسار الوحيد الممكن للسلام، وفق معادلة “السلام مقابل التطبيع”، دون ربطها بإنهاء الاحتلال أو ضمان الحقوق الفلسطينية.


وفي هذا الإطار، حرص ترامب على استحضار تجربته السابقة في إطلاق الاتفاقات، وعبّر صراحة عن تطلّعه لانضمام السعودية بشكل علني وكامل إليها، موجّهًا نداءً علنيًا لولي العهد السعودي بقوله: “سيكون من دواعي سروري الكبير أن تنضم السعودية إلى اتفاقيات أبراهام… أتمنى أن يتحقق ذلك قريبًا.” كما ألمح إلى إمكانية انضمام دول أخرى مثل سوريا، مقابل رفع العقوبات، ما يعكس مقاربة تقوم على صفقات ثنائية لا على إطار قانوني دولي أو رؤية شاملة لحل الصراع. وهكذا، أعاد ترامب تعريف الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي ضمن مقاربة أمنية–إقليمية، يفرغ القضية الفلسطينية من محتواها السياسي التحرري ويحوّلها إلى ملف قابل للإدارة بدلًا من كونها قضية تتطلب حلاً جذريًا وعادلًا، كشرط ومتطلب للاستقرار والتنمية الإقليمية.


لقد تناولت هذا السؤال بإسهاب في مقالة سابقة بعنوان “الخلاف مع نتنياهو لا يعني الخلاف مع إسرائيل”، وأشرنا فيها إلى أن الرهان على وجود تحوّل استراتيجي في موقف ترامب من إسرائيل نتيجة التباين مع نتنياهو ينطوي على مبالغة كبيرة في التقدير. فالعلاقة الأمريكية–الإسرائيلية، كما تؤكد خطابات ترامب الأربعة خلال زيارته الخليجية، تظل علاقة بنيوية تحكمها مصالح مؤسسية راسخة، تتجاوز الحسابات الشخصية أو الظرفية. ويعزز هذا الثبات تحالف اللوبي الإسرائيلي داخل مؤسسات صنع القرار الأمريكية عبر الحزبين الديمقراطي والجمهوري، إلى جانب الدعم العقائدي من التيارات الإنجيلية التي ترى في إسرائيل تجسيدًا لنبوءات دينية، فضلا عن كونها القاعدة المتقدمة للغرب في منطقتنا. لم تحمل خطابات ترامب أي مؤشرات على مراجعة هذا التحالف، بل جاءت دعواته العلنية لتوسيع اتفاقيات أبراهام كإعادة تأكيد على إعادة ترتيب الأولويات الإقليمية ودمج إسرائيل في هذا النظام كفاعل رئيسي.


أعادت خطابات ترامب الأربعة خلال زيارته الخليجية رسم معادلة الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي بشكل يُضفي شرعية ضمنية على العدوان الإسرائيلي من خلال تجاهل كامل لانتهاكات الاحتلال وإدانة صريحة لحركة حماس، ما وفّر غطاءً سياسيًا لاستمرار العدوان، ومحاولات التهجير والتطهير، وتسريع سياسات الضم “غير المعلن” للضفة الغربية تحت غطاء تشريعي متدرّج. على المدى المتوسط، أدى تغييب أي إشارة لحل الدولتين أو تسوية سياسية، مقابل الترويج لاتفاقيات أبراهام كالمسار الوحيد للسلام، إلى تفريغ القضية من بعدها التحرّري وتحويلها إلى أزمة إدارية–إنسانية، مع تهميش الحقوق الوطنية وغياب الأفق السياسي. أما على المدى البعيد، فإن هذه المقاربة تؤسس لدمج إسرائيل في النظام الإقليمي دون أي التزام بإنهاء الاحتلال أو قيام دولة فلسطينية، ما يعني بقاء جذور الصراع قائمة وقابلة للانفجار مجددًا، وإن بأدوات وفاعلين جدد، طالما لم يُعالَج جوهر الصراع المتمثل في استمرار الاحتلال وإنكار الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.


تفرض التحولات في خطاب القوى الدولية، كما تعكسها مواقف الإدارة الأمريكية الأخيرة، ضرورة عاجلة لإعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني كخيار استراتيجي لا يحتمل التأجيل. فعلى المدى القريب، تبرز الحاجة إلى وقف العدوان على غزة، وتكثيف جهود الإغاثة وتعزيز الصمود، بالتوازي مع تحرّك دبلوماسي نشط لاستثمار المؤتمر الدولي لتنفيذ حل الدولتين (17–20 حزيران، برئاسة سعودية–فرنسية) لتعزيز الاعتراف بالدولة الفلسطينية، في ظل ضرورة توحيد الموقف الفلسطيني عبر توافق وطني حقيقي، لا تقاسم وظيفي. وعلى المدى المتوسط، يتطلب الواقع الفلسطيني الراهن تجديد النظام السياسي، وتجاوز حالة التآكل التنظيمي وفقدان الشرعية، من خلال إعادة الهيكلة على أسس الشراكة والتمثيل الديمقراطي، كما نصّ عليه اتفاق الفصائل الفلسطينية في بكين (23 تموز/يوليو 2024)، وأن تنتقل القيادة السياسية من موقع المراقبة والتوصيف والإدانة إلى موقع الفعل والمبادرة. أما على المدى البعيد، فإن إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية كإطار جامع ومعبر عن “الكل الفلسطيني” بين البحر والنهر وفي الشتات، وبلورة استراتيجية مقاومة وطنية متعددة الأدوات، يشكّلان مدخلًا أساسيًا لإعادة تموضع القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني، على قاعدة الاعتراف والحقوق المتبادلة، ورفض الاعتراف الأحادي والالتزامات غير المتكافئة.


وفي خضم هذا المسار الطويل والمعقد، لا بد من استحضار ما كتبه القائد الفلسطيني صلاح خلف (أبو إياد) في كتابه فلسطيني بلا هوية: “ذات يوم سيكون لنا وطن.” تلك العبارة لم تكن وعدًا حالمًا، بل تعبيرًا مكثفًا عن إصرار سياسي وتاريخي على أن المشروع الوطني، رغم كل محاولات الطمس والتصفية، سيظل قابلًا للاستعادة والتجدد ما دام هناك شعب يقاوم، ونخبة تؤمن بأن الوطن يُنتزع ولا يُمنح.

شاهد أيضاً

بالتعاون مع إنجاز فلسطين ، جامعة خضوري تُطلق برنامجاً تدريبياً لتعزيز مهارات الاتصال والتواصل لطلاب التعليم التكاملي

بالتعاون مع إنجاز فلسطين ، جامعة خضوري تُطلق برنامجاً تدريبياً لتعزيز مهارات الاتصال والتواصل لطلاب التعليم التكاملي

شفا- انطلق البرنامج التدريبي “مهارات الاتصال والتواصل” الموجَّه لطلاب التعليم التكاملي في جامعة فلسطين التقنية …