6:07 مساءً / 6 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

مفلح طبعوني.. حين يصبح الشعر وطناً والنضال قدراً ، بقلم : محمد علوش

مفلح طبعوني.. حين يصبح الشعر وطناً والنضال قدراً ، بقلم : محمد علوش

فقدت اليوم صديقاً عزيزاً وأخاً كبيراً حمل في روحه أنقى صفات النبل والصدق والإخلاص.


رحل مفلح طبعوني، الشاعر والمناضل الذي عاش عمره مرفوع الرأس، مؤمناً بأن الكلمة موقف، وأن القصيدة حين تصدق تتحوّل إلى بندقية تطلق الحقيقة، وتدافع عن الإنسان وكرامته.


منذ لقائنا الأول، بدا لي “أبو موسى” نادراً في حضوره وكرمه، قريباً من القلب بقدر ما كان عميقاً في الوجدان، لم يحتج وقتاً ليغدو صديقاً حميماً، ففي شخصيته شيء من صفاء الجبال التي أحبّها، ومن صدق الفلاحين الذين انتمى إليهم، ومن دفء الشعراء الذين يسكنهم القلق النبيل والبحث الدائم عن معنى للحياة يتجاوز حدود الذات.


في علاقته بالناس، كان مفلح طبعوني استثناءً في تواضعه وصفائه، صريح إلى حدّ الوجع، وحادّ الموقف حين يتعلّق الأمر بالمبدأ، لكنه ظلّ رقيق القلب، شفيف الشعور، محبّاً للحياة وللناس وللوطن الذي ظلّ حاضناً له في الشعر كما في الفعل.


لقد جمعتني به سنوات من الرفقة الصافية، تقاسمنا فيها أمسيات شعرية ونقاشات فكرية لا تُنسى، إلى جانب الصديق الشاعر عبد الناصر صالح ورفاق آخرين من أبناء القصيدة والنضال.


كانت لقاءاتنا مساحة للبوح، وللاختلاف الجميل، لكنها ظلّت دائماً تحت مظلة المحبة والإيمان المشترك بفلسطين وبالإنسان.


كان مفلح طبعوني من الجيل الذي حمل راية النضال باكراً، منذ ستينيات القرن الماضي، مؤمناً بالنظرية الماركسية كمنهج للتحرر الوطني والاجتماعي، ومناضلاً صلباً من أجل حرية وكرامة الشعب الفلسطيني، فخَبِر الاعتقال والإقامة الجبرية، لكنه لم يعرف المساومة أو المواربة، وبقي أميناً لفكرته، صادقاً مع ذاته حتى آخر العمر.


في شعره كما في حياته، ظلّ أبو موسى منحازاً للفقراء، للفلاحين، للمخيمات، لأولئك الذين حلموا بعدالة الأرض وكرامة الخبز، وكان صوته خافتاً حين يتحدث عن نفسه، لكنه جهوريّاً حين يتكلم عن فلسطين، وكانت كلماته تشبهه، صلبة كالصخر، صافية كنبع الجليل، ومضرّجة بوهج الحنين ووجع الجمال.


كثيراً ما فكّرت في لحظة رحيله، منذ سنين طويلة، وكنت أستوحش تلك الفكرة كلما خطرت ببالي، وها هي اللحظة قد جاءت، بهدوئها الموجع، تجبرني على مواجهة الفراغ الذي خلّفه غيابه، فأستعيد ملامحه، وصوته، وضحكته التي كانت تسبق كلماته، وطريقته في الإصغاء، وهدوءه حين يشتدّ النقاش، وأستعيد لقاءاتنا في مدنٍ كثيرة، وفي طولكرم التي أحبّها كثيراً، كأنها كانت مرآته التي يرى فيها فلسطين كلّها.


رحل مفلح طبعوني، لكن أثره باقٍ لا يمحى من الذاكرة ولا من الوجدان، ترك وراءه إرثاً شعرياً وإنسانياً، وموقفاً فكرياً ظلّ وفيّاً للطبقة العاملة، وللفقراء والمقهورين، وللشعب الفلسطيني الذي أحبّه بعمقٍ نادر.


رحل الجسد، لكن تبقى الروح التي لم تعرف الاستسلام، وتبقى القصائد التي تشهد أنه عاش كما أراد، شاعراً ومناضلاً وإنساناً حرّاً، يكتب بالحب كما بالنار، ويزرع الأمل في أكثر اللحظات قسوة.


سلاماً عليك يا أبا موسى، أيها الشاعر النبيل، والرفيق الوفي، والصديق الذي لا يتكرّر.
نم قرير العين، فالكلمة التي آمنت بها ما زالت تنبض فينا حياةً وموقفاً، وما زال حلمك بالحرية وعداً لا يغيب.

⦁ شاعر فلسطيني

شاهد أيضاً

وفد من مجلس بلدي بيت فوريك يزور السفارة الصينية في رام الله

وفد من مجلس بلدي بيت فوريك يزور السفارة الصينية في رام الله

شفا – زار وفد من مجلس بلدي بيت فوريك ممثلا برئيس المجلس م. فارس نصاصرة …