6:26 مساءً / 16 مايو، 2025
آخر الاخبار

المسجد الإبراهيمي بين عراقة التاريخ وتحديات التهويد ، تحفة فكرية تُخلّد الذاكرة وتُجسّد المقاومة ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

المسجد الإبراهيمي بين عراقة التاريخ وتحديات التهويد: تحفة فكرية تُخلّد الذاكرة وتُجسّد المقاومة ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

المسجد الإبراهيمي بين عراقة التاريخ وتحديات التهويد: تحفة فكرية تُخلّد الذاكرة وتُجسّد المقاومة ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

في زمنٍ تتكالب فيه أدوات الطمس على هوية المكان، وتُستهدف فيه الذاكرة الفلسطينية بكل ما تحمله من رموز ودلالات، يبرز كتاب “المسجد الإبراهيمي بين عراقة التاريخ وتحديات التهويد” للدكتورة المبدعة سارة الشماس كمنارة فكرية وثقافية، تعيد للوعي الفلسطيني والعربي توازنه، وللمقدسات الإسلامية بهاءها المستحق. إنه ليس مجرّد مؤلَّفٍ بحثي، بل هو عملٌ موسوعي، يحمل في صفحاته عبق التاريخ، ووهج الحقيقة، ووهج الانتماء العميق لفلسطين، أرض الأنبياء، ومهد الرسالات.

لقد كان من المفترض أن يرى هذا الكتاب النور قبل عامين، غير أنّ الحرب على غزة، وتقلبات الواقع السياسي الفلسطيني، حالت دون ذلك. لكن الكاتبة، وبروح المثقف المقاوم، لم تستسلم لتقلبات الظروف، بل آمنت بأن الكلمة مقاومة، وأن التوثيق مسؤولية، لا يجوز تأجيلها، ولا يليق التهاون بها. ومع تصاعد الانتهاكات في المسجد الإبراهيمي، واشتداد سياسة التهويد، أصرت الدكتورة سارة الشماس على إطلاق كتابها، فطبعته على نفقتها الخاصة، وأشهرته من المكتبة الوطنية الأردنية، إيماناً منها بأن حماية الذاكرة واجب لا ينتظر الإذن، وأن الدفاع عن المقدس لا يُؤجل تحت أي ظرف.

يتميّز هذا الكتاب بتكامله المنهجي وغزارة محتواه، فهو لا يكتفي بتسجيل وتوثيق الأحداث التاريخية، بل يغوص عميقاً في تحليل السياقات السياسية والاجتماعية والثقافية التي أحاطت بالمسجد الإبراهيمي عبر العصور. تَقرأ فيه سطوراً تتحدث عن مدينة الخليل، لا باعتبارها مدينة فلسطينية فقط، بل بصفتها نموذجاً مركزياً للصراع على الهوية والمكان والزمان. تُمسك الكاتبة بخيوط الذاكرة، وتعيد ترتيبها في نسيج سردي علمي وأدبي، يجعل من قراءة الكتاب تجربة فكرية وجدانية لا تُنسى.

ومن أبرز نقاط تميّز هذا العمل، ذلك التوازن البديع بين اللغة الأكاديمية الرصينة، وبين الحس الإنساني العميق الذي يلامس القلوب. فالكاتبة لا تقف عند حدود التوثيق العلمي فحسب، بل تكتب بروحٍ مؤمنة، وقلبٍ نابض بالولاء لهذا الوطن، وتُحاكي القارئ بلغة تتقاطع فيها المعاني المعرفية مع نبض المقاومة الثقافية. ولعلّ هذه السمة تحديداً، هي التي تجعل من الكتاب تجربة متكاملة؛ فهو لا يغذّي العقل فحسب، بل يُوقظ الوجدان، ويُجدد العهد مع الأرض والمقدسات.

أما من الناحية التحليلية، فقد أبدعت المؤلفة في تقديم قراءة نقدية توثيقية معمقة لممارسات الاحتلال في المسجد الإبراهيمي، مسلطة الضوء على السياسات التهويدية التي تستهدف الزمان والمكان والإنسان. إنها لا تكتب عن الماضي باعتباره ذكرى بعيدة، بل تُعيد توظيفه كوسيلة للمواجهة الرمزية والمعنوية في معركة الهوية. وهنا تتجلّى عبقرية الكاتبة، التي لا تسجن التاريخ في الماضي، بل تحوّله إلى أداة وعي، وسلاح دفاع، ومصدر إلهام.

ولأنها تدرك أن المعركة على المسجد الإبراهيمي ليست معركة حجارة فقط، بل معركة سرديات ومفاهيم، حرصت الكاتبة على أن تُقدّم توثيق فلسطيني في أبهى صوره : موثّقة، محقّقة، مبنية على الأدلة والوقائع، دون أن تنزلق إلى التهويل أو الانفعال، بل بمسؤولية فكرية عالية، تُعيد للحق صورته النقية، وللمكان قدسيته، وللشعب الفلسطيني صوته، الذي لا تنجح الجدران في إسكات صداه.

لقد أصبح المسجد الإبراهيمي في هذا الكتاب أكثر من معلم ديني؛ إنه رمز للثبات، وموقع للذاكرة، ومركز لصراع الهويات الذي لم يتوقف منذ قرون. وهو في قلب مدينة الخليل، ليس مجرد موقع جغرافي، بل مساحة روحية وسياسية وثقافية، تشهد على أصالة الحضارة الإسلامية، وعلى عمق التجذر الفلسطيني في الأرض، برغم كل محاولات الاقتلاع والتزييف.

إن هذا الكتاب، بكل ما يحمله من قيمة معرفية ورمزية، يستحق أن يُدرّس في كليات التاريخ، والدراسات الإسلامية، والعلوم السياسية، وأن يكون مرجعاً في المدارس لتعزيز الهوية والانتماء في نفوس الجيل الجديد. إنه ليس كتاباً يُقرأ لمرة واحدة، بل مرآة يجب أن نعود إليها كلما اشتدّت محاولات التهويد، وكلما ضعُف الوعي بقضايانا المركزية.

باختصار، “المسجد الإبراهيمي بين عراقة التاريخ وتحديات التهويد” هو أكثر من كتاب، إنه صرخة مقاومة فكرية، ووثيقة حب للمكان، ومرجع لا غنى عنه لفهم معركة الوجود الفلسطيني في وجه آلة الطمس. إنه عملٌ يليق بأن يُحفَظ في أرشيف الوعي الوطني، ويُحتفى به في كل محفل أكاديمي وثقافي، لأنه يُجسّد انتصار الكلمة على البندقية، والذاكرة على المحو، والهوية على التشويه.

شاهد أيضاً

الاحتلال يواصل اقتحام بروقين وكفر الديك غرب سلفيت ويحتجزا عددا من الشبان

الاحتلال يواصل اقتحام بروقين وكفر الديك غرب سلفيت ويحتجزا عددا من الشبان

شفا – تواصل قوات الاحتلال الاسرائيلي، اقتحام بلدتي كفر الديك وبروقين غرب سلفيت. وأفادت مصادر …