
الحكمة كما يراها الحكماء ، بقلم : د. فواز عقل
الحكمة لما تجد العواطف أفكار و لما تجد الأفكار كلمات
تبدأ هذه المقالة بحكاية و حوار بين طبيب ومريض
سأل طبيب أحد المرضى في مستشفى المجانين: هل تستطيع تخبرني نحن في أي يوم؟
المريض: طبعا اليوم هو الجمعة
الطبيب: صحيح ، و غذا ما سيكون؟
المريض: سيكون الجمعة أيضا
الطبيب:إذا كان اليوم الجمعة و بكرة يوم جمعة، متى سيأتي يوم السبت؟
المريض: السبت يأتي عندما يختلف اليوم عن الأمس، عندما نشعر أننا تقدمنا خطوة للأمان، عندما تكون عدالة اليوم أكثر من عدالة الأمس، و ظلم اليوم أقل من ظلم الأمس، عندها فقط أيها الطبيب سيأتي اليوم التالي.
و كما يقال خذ الحكمة من أفواه المجانين و كما يقال : سيأتي على أهل العلم زمن يظنون أنهم مجانين من فرط الوقاحة و الثقة التي يتحدث بها الجهال و أصحاب الوهم المعرفي،و الويل كل الويل لمن سبق عقله زمانه، و يقول برنارد شو : الكلام الذي تخشى أن تقوله ينبغي أن يقال و المجنون هو من يقوم بهذه المهمة، الحكماء يحبون التعلم و الأغبياء يحبون اعطاء الدروس.
قال تعالى: من يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا.
نسمع كثيرا حكم و أقوال و مسميات ، دار الحكمة، بيت الحكمة، مكتبة الحكمة، ملتقى الحكمة، مجلس الحكمة،الشعر الحكيم، و هنا أقول:
أفقر الشعر شعر ما به عظة و أثمن الشعر ما يبنى على الحكم
ويقول طرفة بن العبد:
إذا كنت في حاجة مرسلا فأرسل حكيما ولا توصه
و إن باب أمر عليك التوى فشاور حكيما ولا تعصه
و كما يقول المثل الشعبي: لا توصي حكيم
و ما أجمل ما قال أبو فراس الحمداني :
لقد زدت بالأيام و الناس خبرة و جربت حتى هذبتني التجارب
و قال شاعر آخر :
لقد خضت الحياة فعلمتني مواجعها و أصبح الوعر سهلا
و قال شاعر آخر :
عامل الناس بالإحسان تملكهم إن النفوس لتهوى كل محترم
و ما قاله سيدنا عمر :تأهل ثم تصدر
و قال الشاعر محمود سامي البارودي :
انظر إلى عقل الفتى لا جسمه فالمرء يكبر في الفعال و يصغر
فلربما هزم الكتيبة واحد و لربما جلب الدنيئة معشر
و قال ميخائيل نعيمة: الاحترام عشرة أجزاء، تسعة منها في الصمت والعاشر اعتزالك لصغار العقول.
و قال شاعر آخر:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله و أخو الجهالة في الشقاوة ينعم
و قال آخر :
لما رأيت الجهل في الناس ضاربا تجاهلت حتى ظن أني جاهل
وقيل :
أن جلسة واحدة مع حكيم أفضل من ألف ساعة محاضرات
من أقوال الحكماء :
الصمت وقت الجهل حكمة
عندما تكون وحيدا سيطر على أفكارك/ عندما تكون مع الناس سيطر على لسانك/عندما تكون غاضبا سيطر على عقلك/عندما تكون في ورطة سيطر على مشاعرك
و يقول إرنست همنغواي:
نحتاج إلى سنتين لنتعلم الكلام وإلى خمسين سنة لنتعلم الصمت
و يقال : الرجل العاقل من ربط لسانه.
و قال سقراط: المعرفة الحقيقية تبدأ بالاعتراف بالجهل، أما أفلاطون يرى أن الحكمة تأتي من الأفكار، أما أرسطو فيعتقد أن المعرفة تأتي من التجربة،
و سئل سقراط مرة: لماذا يسمونك بالحكيم؟ أجاب : لأنني الرجل الوحيد الذي يعرف أنه لا يعرف.
و قال أحد الحكماء : يتطلب الشجاعة لتكون استثنائيا، و يتطلب الشجاعة لتكون حكيما، و يتطلب الشجاعة لتكون غنيا.
الحكمة تجمع بين التجربة الحياتية و الخبرة و المعرفة و الجرأة في نفس الوقت و الحكم عند العرب تعددت الأنواع حسب الموقف، كما قالت العرب: لكل مقام مقال ولكل حادث حديث.
و يقال : العقل زينة و السكوت حكمة، هذا يشير إلى أن الصمت في كثير من الأحيان أنفع من الكلام.
و يقال أيضا: إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة، فإن فساد الرأي أن تتردا، هذا الحث على الحزم بعد التفكير.
و يقال : لا تؤجل عمل اليوم إلى غد، يعني عدم التسويف و استغلال الوقت بحكمة و يقال : العاقل من اتعظ بغيره والجاهل من اتعظ بنفسه و هذا يشير إلى التعلم من تجارب الآخرين بدل من الوقوع في نفس الأخطاء.
و قال سيدنا علي : علموا أولادكم غير ما علمتم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم و هذه دعوة للتجديد و مواكبة المتغيرات.
و يقال: كل شيء إذا كثر رخص، إلا الأدب فإنه إذا كثر غلا،حكمة تشير إلى قيمة الأدب و الخلق.
و يقال : من راقب الناس مات هما، دعوة للتركيز على النفس وعدم الانشغال بالآخرين.
و الشاعر زهير بن أبي سلمى أشار إلى حكمة ملاك الدنيا و كثرة تجاربها بقوله:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا أبا لك أن يسأم
أما المتنبي في حكمته العظيمة في فهم طباع الناس و اختيار من تحسن إليهم/:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإذا أنت أكرمت اللئيم تمرد
و من يجعل المعروف في غير أهله يكن حمده ذما عليه ويندم
أما الشافعي في حكمته الرضا بالقضاء و القدر و محاسبة الذات ولوم الآخرين:
دع الأيام تفعل ما تشاء و طب نفسا إذا حكم القضاء
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا
أما إيليا أبو ماضي دعا إلى التفاؤل والنظر للحياة بإيجابية بقوله :
كن جميلا ترى الوجود جميلا
أما الفرزدق في حكمته عن الكرامة و الاعتزاز بالنفس :
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم و إن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
أما ابن خلدون أشار إلى أعظم الحكم السياسية والاجتماعية بقوله :
الظلم مؤذن بخراب العمران
أما لقمان الحكيم فقد دعا ابنه لحسن السلوك بقوله : يا بني إن الدنيا بحر عميق وقد غرق فيه ناس كثر فلتكن سفينتك تقوى الله.
أما أفلاطون أشار إلى السمو بالعقل فوق الشهوات بقوله:
العقل هو السيد و الجسد هو التابع.
أما أرسطو فقد أشار إلى خطر التساهل مع الفساد بقوله:
من لا يعاقب على الشر يأمر به.
أما كونفوشيوس في حكمته عن الاستمرار و الثبات بقوله:
لا يهم مدى البطء الذي تسير به طالما أنك لا تتوقف.
و أخيرا أقول، نحن التربويون ، المحاورون، الذين فهمنا كلنا شيء مبكرا ، نحتاج إلى كرة أرضية ثانية لنزرع فيها روح الأخلاق و التعلم و التربية و التواضع ، نحن أصحاب اليقظة أصحاب البوصلة نصنع البوصلة لليوم التالي ولا ننتظرها.
- – د. فواز عقل-باحث في شؤون التعليم و التعلم