
الساعة الصفرية في غزة ، حين يصبح الجوع سلاح إبادة، فأين الضمير؟ بقلم المهندس غسان جابر
ها نحن نقترب من لحظة خطيرة في تاريخ الشعب الفلسطيني، لحظة لا تُقاس بالزمن بل تُقاس بالألم، بالموت البطيء، وبالعجز الدولي المطبق. إنها الساعة الصفرية التي وصلت إليها غزة؛ لحظة الانهيار الكامل حيث يتوقف النبض الإنساني، وتبدأ الإبادة بالصمت، لا بالصواريخ ولا بالقنابل، بل بلقمة مفقودة وماء محاصر.
لقد تجاوزت غزة منذ أسابيع عتبة المجاعة، وأصبحت مشاهد الأطفال الهزلى، ونداءات الأمهات الجائعات، وأجساد الشهداء من الجوع جزءًا من حياة الفلسطيني اليومية في القطاع. نعيش إبادة جماعية بكل ما تعنيه الكلمة: مجاعة مُمنهجة، عقاب جماعي، وحرمان تام من مقومات الحياة. هذا ليس قدرًا، بل سياسة متعمدة يمارسها الاحتلال، ويتواطأ فيها صمت العالم.
هل بلغنا زمن الإبادة؟
حين يُمنع الغذاء، ويُغلق كل معبر، ويُمنع دخول الماء والدواء، وتُقصف كل شاحنة إغاثة، ويُقتل المدنيون وهم يركضون خلف كيس طحين… فإننا لا نعيش مجرد أزمة إنسانية. نحن في قلب الإبادة الجماعية بالصمت والتجويع، بأدوات أقل ضجيجًا من الحرب، لكنها لا تقل فتكًا.
الأسئلة الكبرى باتت تطرق كل ضمير:
هل وصلنا إلى مرحلة لا رجعة فيها؟
هل سيموت سكان غزة أمام أعين العالم دون أن يتحرك أحد؟
هل الجوع سلاح مشروع في القرن الحادي والعشرين؟
من يملك إعلان غزة “منطقة منكوبة”؟
في هذه اللحظة الحرجة، يبرز طرح مهم على الساحة السياسية والإنسانية: إعلان غزة منطقة منكوبة.
لكن من هي الجهة المخوّلة بذلك؟
بحسب القانون الدولي والمواثيق الإنسانية، يمكن:
للأمم المتحدة (عبر وكالاتها، وعلى رأسها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية – OCHA) أن تصدر توصية أو إعلان رسمي بوضع المنطقة ضمن حالات الكارثة.
كما يمكن للسلطة الفلسطينية أو لأي جهة سيادية تمثّل الشعب الفلسطيني أن تطالب بذلك رسميًا.
ويُفتح الباب أيضًا أمام تحالف دول أو منظمات إنسانية للاعتراف الجماعي بهذا الوضع وطلب تدخل عاجل.
إعلان غزة منطقة منكوبة ليس مجرّد توصيف، بل إجراء سياسي وقانوني له تبعات فورية، منها:
إلزام الدول والمنظمات بالتحرك الفوري لإيصال الإغاثة.
تسليط الضوء الأممي على الجريمة، وتفعيل أدوات القانون الدولي.
إحراج الاحتلال قانونيًا وسياسيًا أمام الرأي العام العالمي.
لماذا الصمت الدولي جريمة مضاعفة؟
حين تُغلق المعابر في وجه المساعدات، ويُحاصر شعب كامل، فإن كل دقيقة صمت دولي تعني وفاة جديدة، وجريمة أخرى. لا عذر لأحد. من يملك القرار ولم يتحرك، شريك في الجريمة. من رأى ولم يُحرّك ساكنًا، يتحمل وزر الدم الذي يُسكب بلا ضجيج.
جميع المنظمات الدولية، الدول، والهيئات القانونية مطالبة اليوم بإعلان غزة منطقة منكوبة ورفع الحصار فورًا. ومطلوب من الشعوب أن تضغط، أن تتحرك، أن تهتف، أن تُحرج حكوماتها. فالسكوت اليوم ليس حيادًا… بل خيانة.
نقول أيها السيدات و السادة :
إنها الساعة الصفرية، والضمير الإنساني على المحك.
إما أن ننهض لنوقف المجاعة، أو نكتب وصمة عار في جبين هذا العصر.
غزة لا تطلب الشفقة، بل العدالة.
لا تحتاج دعاءً فقط، بل قرارًا جريئًا يعيد الحياة إلى من سُلبت منهم ببطء وقسوة.
لن تكون المجاعة قدر غزة، بل صرخة ضمير توقظ العالم.
فهل يستيقظ الضمير… أم نُكتب في كتب التاريخ كعالم شاهد إبادة ولم يرمش له جفن؟
م. غسان جابر (القيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية)