
تدوير المخلفات في غزة ، إبداع في مواجهة التحديات ، بقلم : منى سامي موسى
أدت الحرب المستعرة المستمرة على قطاع غزة إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية والبيئية بشكل غير مسبوق، مما دفع السكان عنوة إلى البحث عن حلول مبتكرة للتكيف مع الظروف الصعبة التي لا تتوقف .
ومن بين هذه الحلول، برزت فكرة إعادة تدوير المخلفات البيئية كوسيلة للتغلب على نقص الموارد الأساسية، وتحقيق الاستدامة في ظل الأزمات المتكررة في أوقات الطوارىء التي باتت حياة روتينية.
في ظل إغلاق المعابر وصعوبة دخول المواد الأساسية، استخدمت النساء في غزة علب المربى الفارغة طبعا كأكواب للشرب والسقيّ، مما يعكس روح الإبداع من وجع الحصار والتكيف المضطرد . ولم تتوقف الابتكارات عند هذا الحد بالطبع ، بل تم استخدام المعلبات والبرطمانات كعبوات استراتيجية لتخزين احتياجات المطبخ الفقير ، مثل البهارات والأرز. هذه الطرق لم توفر فقط حلاً عمليًا، بل ساعدت أيضًا في تقليل النفايات التي أزعجت الفئران.
كما أصبحت المعلبات الفارغة أدوات متعددة الاستخدامات في بيئة خصبة للابتكارات ، حيث تم تحويلها إلى طنجرة لتسخين الماء مثلا ، أو لتقديم الطعام حين يتوفر . في بعض الأحيان، تم استخدامها كوسيلة لإشعال النار في تكيات القرن الواحد والعشرين ، مما يعكس القدرة على الاستفادة القصوى من الموارد المحدودة بالعقل اللامحدود.
وفيما يتعلق بالمياه، برزت أساليب جديدة لترشيد استخدامها. فمثلاً، عندما يستحم أحد أفراد الأسرة، تحتفظ النساء بالماء المستخدم لإعادة توظيفه في الغسيل أو تنظيف الحمام غير المقصوف . هذه الممارسة تعكس الوعي البيئي والحرص على استغلال واستثمار كل قطرة ماء في ظل انقطاعه المستمر.
إضافة إلى ذلك، استخدمت النساء المعلبات كحاويات لحفظ المياه، مما ساعد في مواجهة أزمة الماء المتدحرجة ، و التي يعاني منها القطاع دون منقذ . ولم يقتصر استخدام المعلبات على التخزين فحسب، بل تم تحويلها أيضًا إلى عناصر للزينة والزراعة، مما أضفى لمسة من الجمال على البيوت.
على صعيد الطهي، أصبحت المعلبات عنصرًا أساسيًا في المطبخ الغزي. استخدمت النساء المعلبات لصنع أطباق متنوعة من المعكرونة الوافرة دون غيرها الشحيح ، مثل معلبات البازلاء للفلافل أو العجة، كما تم استخدامها مع الأرز أو في تحضير المكسرات منتهية الصلاحية . ومعلبات اللحم البقري استخدمت لصنع الشاورما والبرجر ، بينما أصبحت معلبات التونة مكونًا رئيسيًا في العديد من الأطباق مثل الزبيدة والجمبري.
تظهر هذه الممارسات كيف يمكن للإبداع أن يتجاوز القيود، ويعكس القدرة الفائقة لسكان غزة على التكيف مع التحديات. من تحويل المخلفات إلى موارد قيمة، إلى استخدام الابتكار في الطهي والزراعة، أثبتت النساء في غزة أن الإرادة البشرية يمكن أن تخلق فرصًا جديدة حتى في أصعب الظروف.
في النهاية، تُعد إعادة تدوير المخلفات البيئية في قطاع غزة نموذجًا يُحتذى به في كيفية مواجهة الأزمات من خلال الابتكار والاستدامة. هذه التجارب لا تعكس فقط القوة والمرونة، بل تسلط الضوء أيضًا على أهمية الموارد المحلية وضرورة الاستفادة منها بأقصى قدر ممكن.