
” إجبد “… حين يصبح الشارع أذكى من الوزير ، بقلم : المهندس غسان جابر
يطل الإعلامي رياض خميس على جمهور الخليل من قلب الشوارع والأزقة والحارات، ببرنامج تفاعلي مباشر حمل عنوانًا شعبيًا لافتًا: «إجبد».
العنوان وحده كافٍ ليستفز الانتباه. «إجبد» في اللهجة الفلسطينية ليست مجرد كلمة، بل فعل قوي يعني: شدّ، اضرب، أعطِ بقوة. وكأن البرنامج أراد أن يعلن منذ البداية: نحن هنا لنشدّ الواقع من ياقة قميصه، ونضرب على الطاولة بدلًا من التصفيق الفارغ.
ما الذي يضيفه «إجبد»؟
أولًا، هو كسر للحاجز السميك بين الإعلام والناس. فالبرنامج لا يكتفي بضيوف مكرّرين ولا بنقاشات مملة، بل ينزل إلى الشارع ليستمع لأصوات البسطاء كما هي: صريحة، عفوية، وصادمة أحيانًا. ثانيًا، يخلق خيطًا ذكيًا بين الترفيه والتثقيف؛ فهو يستخدم اللغة الشعبية الخفيفة ليطرح قضايا ثقيلة، فيمزج بين الضحكة والوجع، وبين السخرية والحقيقة.
لكن السؤال الكبير: هل سيكون «إجبد» مجرد تنفيس جماهيري، أم ناقدًا شرسًا للحالة الفلسطينية؟
الجواب مرهون بجرأته. إذا اكتفى بكونه فاصلًا للترويح، فسيموت سريعًا. أما إذا حافظ على جوهره — شدّ وضرب وكشف — فسيصبح منصة يخرج منها صوت الناس أقوى من أي بيان رسمي.
ولعل الأجمل في التجربة أن الناس البسطاء يقدّمون حلولًا مباشرة أعمق وأصدق مما يقدمه بعض الخبراء والوزراء. فالعامل والتاجر والطالب، بحكم معايشتهم اليومية للمعاناة، يعرفون أين يوجع الجرح وأين يجب الضغط. أحيانًا تكفي جملة يطلقها شاب عابر لتلخص ما تعجز عنه لجان ووزارات.
أما علاقة البرنامج بالسلطة؟ فهي الاختبار الحقيقي. فإذا انزلق إلى التملق، سيخسر نفسه والجمهور. وإذا ظل ناقدًا، فسيكون مرآةً صادقة تفضح العجز والتقصير، وتعيد للناس ثقتهم بأن أصواتهم لا تزال قادرة على التغيير.
نقول :
في بلدنا، صارت النقاشات الرسمية تشبه نشرات الطقس: كلام كثير ولا مطر. بينما «إجبد» يثبت أن الشارع أقدر على تشخيص العِلّة واقتراح الدواء. ربما لو تابع بعض الوزراء هذا البرنامج بإنصات، لاكتشفوا أن الحكمة ليست في المذكرات الرسمية… بل في جملة صريحة يقولها بائع خضرة على الرصيف.
- – م. غسان جابر – مهندس و سياسي فلسطيني – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية – نائب رئيس لجنة تجار باب الزاوية و البلدة القديمة في الخليل