4:03 صباحًا / 30 أبريل، 2025
آخر الاخبار

لغة استعمارية وقحة – دانييلا فايس -، بقلم : بديعة النعيمي

لغة استعمارية وقحة – دانييلا فايس -، بقلم : بديعة النعيمي

في مشهد لا يبتعد كثيرا عن مسرحيات الاستعمار الأوروبي الكلاسيكي، تخرج “دانييلا فايس”، وهي ليست شخصية هامشية في النسيج الصهيوني بل أحد أعمدة الاستيطان، لتقول بصراحة وقحة في مقابلة لها مع قناة “بي بي سي البريطانية” أن…


“العرب لن يبقوا في غزة ؟ من سيبقى ؟ اليهود بالطبع , افريقيا كبيرة , كندا كبيرة , العالم سيتكفل بتوطين سكان غزة , كيف سنفعل ذلك ؟ نشجعهم على الرحيل


المذيعة تسأل : ماذا لو رفضوا الرحيل ؟
فايس تجيب : العرب سيريدون الرحيل . البشر الاسوياء يرفضون البقاء في الجحيم
المذيعة تقول لها : ما تتحدثين عنه يبدو كأنه خطة تطهير عرقي !
فايس تجيب : يمكنك ان تسميه تطهير عرقي يمكنك ان تسميه لجوء , سميه ما تريدين”

هذا التصريح هو في الواقع لحظة كاشفة لما حاولت الصهيونية دوما إخفاءه تحت أقنعة الحداثة والديمقراطية والضحية وهي إنها ليست سوى مشروع إحلالي، تأسس منذ نشأته على نفي وجود الآخر.

وكما في كل المشاريع الاستعمارية، هناك حاجة ماسة إلى خطاب يعيد ترتيب العالم وفق رغبة المحتل. والصهيونية، مثل نظيراتها من السرديات الاستعمارية البريطانية والفرنسية، اخترعت “جغرافيا جديدة” ادعت من خلالها أن فلسطين “أرض بلا شعب” ويبدأ تاريخها فقط عند وصول المستعمر الأوروبي.

“تيودور هرتزل” الأب الروحي للصهيونية كتب عام ١٨٩٥ عن ضرورة “تشجيع الفقراء على المغادرة”، و “بن غوريون” تحدث عام ٤٨ بوضوح، وقال


“علينا استخدام الإرهاب والقتل والنفي لتطهير الأرض.”


وما قالته اليوم عرابة الاستيطان “دانييلا فايس” ليس بالجديد، إنما هو تكرار لما قيل دائما، لكن بلغة أكثر فجورا.

وفي هذا السياق فإن غزة اليوم ليست مجرد ساحة معركة، بل إنها تُقدَّم كمنطقة متخلفة ولا تستحق الحياة، و”الجحيم” الذي تتحدث عنه “فايس” ليس إلا من صنع القوة التي تدّعي أنها ستنقذ سكانه.

هكذا تتم شيطنة صاحب الحق المظلوم المنزوع حقه وتقدم التبريرات للتخلص منه. تماما كما وُصفت الجزائر من قبل المستعمر الفرنسي بأنها “برية بحاجة إلى تحضير”، تُقدّم غزة كعائق أمام “التمدّن اليهودي” المزعوم والذي لن يتم التخلص منه إلا بالحديد والنار.

وما يثير في التصريحات العنصرية ل “فايس” ليس فقط استمرارية هذه الذهنية، بل جرأتها المتزايدة. فنحن لا نشهد اليوم إبادة جماعية فقط، بل محوا ثقافيا، لغويا، يذكرنا بما حل بالشعوب الأصلية في الأميركيتين، أو ما جرى في جنوب أفريقيا تحت نظام “الأبارتهايد”. في جميع هذه النماذج، كان السرد الاستعماري مسلحا بلغة أخلاقية: نحن لا نطرد، بل نحضّر. لا نُبيد، بل “نُسكن”. وفي لحظة، كما هو الحال الآن، تسقط الأقنعة، ويُقال ما كان يهمس به داخل الغرف المغلقة: “ارحلوا، أو موتوا.”

ما يدعو للأسى، وليس للدهشة، هو هذا الصمت الدولي المصحوب بتواطئ لغوي. فحين تُستخدم كلمات ك “نزاع”، و”صراع متكافئ”، تُطمس الحقيقة التاريخية. لأن ما يحدث ليس نزاعا بين طرفين، بل علاقة قهر وهيمنة، فيها مستعمِر ومستعمَر، جلاّد وضحية. واللغة هنا، ليست محايدة بل هي الأداة التي يُعاد بها إنتاج القمع.

لذلك فإن من واجبنا ألا نكتفي بالمراقبة، بل أن نعيد تسمية الأشياء بأسمائها، وأن نقول، دون مواربة أن ما يحدث في غزة هو تطهير عرقي، في القرن الواحد والعشرين.

شاهد أيضاً

إشهار كتاب المسجد الإبراهيمي بين عراقة التاريخ وتحديات التهويد للكاتبة الدكتورة سارة الشماس

إشهار كتاب المسجد الإبراهيمي بين عراقة التاريخ وتحديات التهويد للكاتبة الدكتورة سارة الشماس

شفا – شهدت دائرة المكتبة الوطنية في الأردن، حفل إشهار كتاب “المسجد الإبراهيمي بين عراقة …