
لغة الحب داخل الاسرة: كيف نعبر عن مشاعرنا بطريقة صحيحة ، بقلم : فاطمة صلاح
في اركان منازلنا الدافئة وفي تفاصيل حياتنا المتسارعة التي نعيشها, يوجد الحب في ابسط صوره واشكاله, فلا انقى ولا اعظم من حب العائلة للطفل ولكن…في كثير من الأحيان يكون الحب ولا يكون التعبير, فهناك الأب الذي يعمل لوقت طويل ويتعب ولكن لا يقول كلمة احبك, وهناك إلام التي تربي وتهتم وتعلم بدون كلل أو ملل لتعكس مشاعرها بالفعل لا بالقول, ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه هل التعبير بالفعل لوحده كافي؟ هل إشباع الاحتياجات المادية والفسيولوجية يسد ثغرة الاحتياجات العاطفية, ام انه سيكون هناك دائماً فجوة تنمو مع مرور الايام لتحدث شعوراً بالنقص.
رغم كون الأسرة الملاذ الامن, والمكان الذي يلجأ إليه الفرد, ولكن قد تتغيب لغات الحب وطريقة ترجمته والتعبير عنه ليست لأنها غير موجودة, بل لأنه لم يتم التعبير عنها بالطريقة الصحيحة, فكم من كلمة كانت يجب إن تقال، إلا أن الحب داخلها قد يبقى صامتًا أحيانًا. فقد تتغيب لغات الحب وطريقة ترجمتها والتعبير عنها، ليس لأنها غير موجودة، بل لأنه لم يتم التعبير عنها بالطريقة الصحيحة كم من كلمة كان يجب أن تُقال لتخفيف الألم ولم تُقال، عبارة كان يجب أن تحتوي الخوف ولم تُنطق، وكم من “أحبك” أو “اشتقت لك” أو “أنت مميز” كانت قادرة على إحداث فرق ولم تُقال في الواقع، الحب داخل الأسرة يجب أن يُعاش بجميع أشكاله وتفاصيله وفي الوقت المناسب.
في هذه الاسطر سوف نتعمق في نوع الحب الصامت ونعرف كيف يمكن لكل منا ان يتعلم كيف يفسر مشاعره ويوصلها بالطريقة الصحية التي تصل الي الطرف الاخر ليصبح الحب محسوس وصادق بطريقة واضحة .
حسب نظرية لغات الحب الخمسة التي قدمها الدكتور تشابمان تتباين طرق الناس في تفسيرهم للحب, وهذا بدوره ينطبق على افراد الاسرة حيث هناك من يتأثروا بكلمات الامتنان والتقدير, مثل انا احبك أو انت شخص ذو قيمة لي, بينما اخرون يشعرون بهذه المشاعر عندما تقدم لهم وقت نوعي وتخصص وقت معهم وتشاركهم باهتماماتهم وتفاصيلهم, وهناك من يشعر بالحب عن طريق الهدايا التي تقدم له حتى لو كانت بسيطة ومهما كانت قيمتها حيث يترجم تقديم الهدايا ب” انا اهتم بك” ,و”انا افكر فيك” , وبعض الناس يعبرون عن حبهم من خلال التلامس كالحضن أو مسك اليد أو حتى التربيت على الكتف, وهناك من يعبر عن طريق الافعال و تقديم الخدمات مثل اعداد الام وجبة مفضلة لطفلها, أو مساعدة الزوج زوجته في مهمة يومية.
ان الخطأ الذي يحدث في الكثير من البيوت هو اننا نحب ولكن بطريقتنا وليس بالطريقة التي يفترض ان نحب فيها, وهذا بدوره يؤثر بشكل كبير على نسيج الاسرة بشكل عام وشخصية الفرد بشكل خاص,حيث ان المشاعر الغير مصرح بها تترك اثراً عميقاً يؤثر على الفرد كلما مر الوقت, حين ينمو الفرد في بيئة خالية من أي تعبير انفعالي , وقد ينعكس هذا على مفهوم الذات والثقة بالنفس لدى الفرد او قد يسعى الي الحصول على القبول والاهتمام خارج اطار الاسرة وابوابها, ويتنامى هذا الامر في مرحلة المراهقة اما بشخصية منغلقة عاطفياً واجتماعياً عن الاخرين, أو شخصية مندفعة وباحثة عن الاهتمام والحب من الاخر, وفي مرحلة النضج والرشد ينعكس ذلك على الفرد من خلال صعوبات ومشاكل في تكوين علاقات صحية مع الاخرين وخاصة مع الشريك العاطفي,ويعيق التوافق الشخصي والاجتماعي, ويزيد من صعوبات التواصل الايجابي والتفاعل مع الاخرين,وهذا بدوره يرفع من مستوى الضغوط النفسية والتوتر من عملية الكبت, وبالتالي يؤثر على الصحة النفسية للفرد ويجعله عرضة للاصابة بالاضطرابات النفسية.
وفي نهاية الامر يبقى الحب الذي يحصل عليه الفرد من اسرته الجذر الذي ينمو من خلاله الانسان وثقته بنفسه ويشعر بالاهتمام والانتماء, فمهما كان الحب حقيقي وصادق سيذبل كما تذبل الوردة التي يتم اهمالها وعدم رعايتها, الحب لا ينبغي أن يُكتفى بالإحساس به فحسب، بل يجب التعبير عنه بوضوح وصدق. فالتعبير اللفظي عن المشاعر، مثل قول “أحبك” أو “أنت مميز”، يعزز الروابط العاطفية داخل الأسرة ويمنح الأفراد شعورًا بالأمان والانتماء. كما أن الكلمات الدافئة تُسهم في بناء بيئة أسرية صحية ومتماسكة، حيث يشعر كل فرد بالتقدير والدعم .
لذا، لا تتردد في التعبير عن محبتك لأفراد أسرتك، فالكلمات الصادقة تُغذي العلاقات وتُقويها، مما يخلق جوا من الألفة والحنان داخل المنزل.
وتكون الاسرة مكانا امناً يحتضن افراده ويحتويهم وتسهم في انشاء افراد اسوياء نفسياً ومحصنين ضد أي مشاكل أو مخاطر عاطفية ونفسية, ويسهم في بناء شخصية متزنة انفعالياً ونفسياً, ولهذا يجب ان نقف قليلاً ونفكر في الطريقة التي نحب بها والطريقة التي نعبر بها, لنصنع من بيوتنا اماكن دافئة حانية مليئة بالحب والحنان والاهتمام . ً
- – كتابة فاطمة صلاح و بأشراف الدكتورة الفاضلة فلسطين نزال – جامعة النجاح الوطنية