12:21 صباحًا / 21 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

تصحيح مسار الإقراض في فلسطين ، من الاستهلاك إلى الإنتاج ، بقلم : د. عمر السلخي

تصحيح مسار الإقراض في فلسطين: من الاستهلاك إلى الإنتاج ، بقلم : د. عمر السلخي

تشير الأرقام إلى أن قيمة محفظة الإقراض في فلسطين بلغت نحو 12 مليار دولار، منها 3 مليارات دولار كاقتراض حكومي، فيما يبلغ حجم اقتراض موظفي القطاع العام من هذه المحفظة حوالي 2 مليار دولار. هذه المؤشرات تكشف عن تشوه واضح في البنية الاقتصادية، حيث تتجه نسبة كبيرة من القروض نحو الاستهلاك والرواتب، بدل أن تُوظَّف في المشاريع الإنتاجية المدرة للدخل.

جذور المشكلة: هيمنة الاستهلاك وضعف الاستثمار

يعكس هذا التوزيع لوجهة الإقراض مشكلتين رئيسيتين:

اعتماد مفرط على الاقتراض الحكومي لتمويل النفقات الجارية، خصوصاً الرواتب، دون عائد إنتاجي مستدام.

توجيه قروض الأفراد نحو الاستهلاك (شراء سيارات، سلع كمالية، أو تغطية مصاريف معيشية)، مما يضعف قدرة الاقتصاد على خلق فرص عمل جديدة.

التأثيرات السلبية للتشوه

تآكل القدرة الإنتاجية للاقتصاد المحلي.

ارتفاع معدلات المديونية الفردية وضعف القدرة الشرائية على المدى الطويل.

تضخم القطاع المصرفي دون أثر تنموي موازٍ.

تعميق العجز التجاري نتيجة تمويل الاستهلاك من السلع المستوردة بدل دعم الإنتاج المحلي.

الثمن الذي يدفعه الموظف

قد يبدو الاقتراض خياراً سريعاً لتغطية الاحتياجات الآنية، لكن الموظف غالباً ما يكتشف أنه وقع في فخ المديونية الطويلة الأمد. فمعظم القروض الممنوحة لموظفي القطاع العام تمتد لسنوات طويلة، وتُقتطع الأقساط مباشرة من الراتب، ما يؤدي إلى:

تآكل الدخل المتاح لتلبية الحاجات الأساسية للأسرة.

ضعف القدرة على مواجهة الطوارئ أو أي تقلبات اقتصادية.

حرمان الموظف من فرص الاستثمار الشخصي أو تطوير مشروع صغير قد يدر دخلاً إضافياً.

زيادة الضغوط النفسية والاجتماعية الناتجة عن الالتزامات المالية الثقيلة.

هذا الوضع يجعل شريحة واسعة من العاملين تعيش في حلقة مفرغة: دخل ثابت، التزامات متزايدة، وقدرة محدودة على تحسين الوضع المعيشي أو الادخار للمستقبل.

سياسات مقترحة لتصحيح المسار

  1. تحفيز الإقراض الإنتاجي

فرض نسبة إلزامية من محفظة القروض لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة في قطاعات الزراعة، الصناعة، والتكنولوجيا.

تقديم حوافز ضريبية وفوائد منخفضة للمشاريع التي تخلق فرص عمل أو تحل محل الواردات.

  1. إعادة هيكلة الاقتراض الحكومي

توجيه أي اقتراض جديد نحو مشاريع البنية التحتية الإنتاجية (طاقة متجددة، مناطق صناعية، دعم الصادرات).

وضع سقوف محددة للاقتراض لتمويل النفقات التشغيلية.

  1. تنويع أدوات التمويل

تشجيع التمويل الجماعي (Crowdfunding) للمشاريع الريادية.

تطوير صناديق استثمار تنموية بالشراكة بين القطاعين العام والخاص.

  1. تعزيز الثقافة المالية والإنتاجية

إدخال برامج التثقيف المالي وريادة الأعمال في المدارس والجامعات.

حملات توعية لشرح الفرق بين القروض الاستهلاكية والإنتاجية وأثر كل منهما على الاقتصاد.

  1. رقابة وتوجيه القطاع المصرفي

إصدار تعليمات من سلطة النقد لزيادة وزن القروض الإنتاجية في ميزانيات البنوك.

مراقبة نسب القروض الاستهلاكية ووضع ضوابط تحد من تضخمها.

من الواقع إلى الطموح

إن معالجة التشوه في محفظة الإقراض الفلسطينية يتطلب تحوّلاً استراتيجياً في السياسات المالية والمصرفية، بحيث تصبح القروض أداة لتحريك عجلة الإنتاج لا لتضخيم فاتورة الاستهلاك. المستقبل الاقتصادي لفلسطين يعتمد على بناء اقتصاد إنتاجي مقاوم قادر على خلق فرص عمل، وتقليل التبعية، وتحقيق تنمية مستدامة.

شاهد أيضاً

الاحتلال يداهم خيام المواطنين في خربة ابزيق شمال طوباس

الاحتلال يداهم خيام المواطنين في خربة ابزيق شمال طوباس

شفا – داهمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، الليلة، خيام المواطنين في خربة ابزيق شمال شرق طوباس. …