
من حصار بني هاشم إلى حصار فلسطين ، التاريخ يعيد نفسه ، بقلم : د. عمر السلخي
حصار قريش لبني هاشم
قبل أكثر من 1450 عاماً، فرضت قريش حصاراً خانقاً على بني هاشم في شِعب أبي طالب. شمل الحصار منع البيع والشراء، وقطع سبل العيش، وحتى الامتناع عن مخاطبتهم بالتحية. استمر هذا الحصار ثلاث سنوات كاملة، عاش خلالها المسلمون ومعهم المشركون من بني هاشم ظروفاً قاسية دفعتهم إلى أكل أوراق الشجر والجذور.
ورغم القسوة، رفض بعض وجهاء قريش الاستمرار في هذا العار، فوقف هشام بن عمرو وزهير بن أبي أمية وغيرهما معلنين رفضهم للمقاطعة، حتى مزّقوا الصحيفة المعلّقة في الكعبة، لينتهي بذلك الحصار. هذه المواقف بقيت شاهداً على أن المروءة يمكن أن تتغلّب على حسابات السياسة حتى في قلب الجاهلية.
الحصار في فلسطين اليوم
اليوم، وبعد قرون طويلة، يواجه الشعب الفلسطيني حصاراً أشد قسوة وأكثر إحكاماً. فالحصار لا يقتصر على الطعام، بل يشمل الماء والدواء والوقود والكهرباء. تُنقل صور الأطفال الجوعى والمرضى عبر شاشات العالم لحظة بلحظة، لكن الصمت الدولي يظل سيد الموقف، في مشهد يكشف غياب الحد الأدنى من المروءة والإنسانية.
في الضفة الغربية كما في غزة، وفي المخيمات كما في القرى والمدن، يتحرك الاحتلال بمشروع واضح: إفقار الفلسطيني وتجويعه وكسر صموده، عبر سياسات مصادرة الأراضي، والتحكم بالمياه، وإغلاق المعابر، ومنع الحركة، وإبقاء الاقتصاد تابعاً ، إنها سياسة ممنهجة لتحويل الحياة اليومية إلى امتحان قاسٍ للبقاء.
غياب المروءة العربية والدولية
الفارق بين الماضي والحاضر يظل لافتاً. ففي الجاهلية وجدنا من يجرؤ على تمزيق صحيفة الظلم، أما اليوم، ومع ما يسمى بعصر الحضارة والقانون الدولي، يغيب صوت رافض للحصار، أو فاعلٍ يسعى لوقفه. الصمت العربي والإسلامي والدولي يجعل من المشهد أكثر مأساوية، ويضع الإنسانية جمعاء في امتحان عسير.
درس التاريخ
كما كان حصار بني هاشم امتحاناً لعقيدة المسلمين الأوائل، فإن حصار فلسطين اليوم امتحان للإنسانية كلها ، ومن ينجو من هذه المأساة سيخرج أكثر صلابة وإصراراً، تماماً كما خرج بنو هاشم بعد شِعب أبي طالب.
الشعب الفلسطيني، رغم كل محاولات الإبادة والإفقار، يثبت أنه ق قدرته على الصمود والثبات ، قد يُجبر على أكل أوراق الشجر كما فعل أجداد الدعوة الأولى، لكنه لن يفرط في حقه، ولن يتنازل عن كرامته.
“كما صبر بنو هاشم على الجوع في مكة، يصبر الشعب الفلسطيني اليوم على الموت والجوع معاً… لكنهم سيخرجون من تحت الركام كما خرجت الدعوة من شِعب أبي طالب: أصلب، أنقى، وأقوى.”