12:18 صباحًا / 1 مايو، 2025
آخر الاخبار

الأخت والصديقة ميسون سنان (أم منتصر) الأخت التي تهدي الأيام معنى، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

الأخت والصديقة ميسون سنان (أم منتصر) الأخت التي تهدي الأيام معنى ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

هناك أشخاص يمرّون في حياتنا مرور النسيم، يلامسون أرواحنا بلطف، ويتركون أثرًا في قلوبنا لا تمحوه السنون، كأنهم نجومٌ في ليلٍ حالك، أو شُعاعُ دفءٍ في يومٍ بارد. هم أولئك الذين لا يحتاجون إلى روابط الدم ليكونوا أهلًا لنا، يكفي أنهم يملكون قلوبًا تنبض بالمحبة، وأرواحًا تنثر الطمأنينة أينما حلّت.

ومن بين هؤلاء الذين حفروا اسمهم في ذاكرتي بحروفٍ من النور، كانت الأخت والصديقة، الإنسانة الرائعة، ميسون سنان (أم منتصر). امرأةٌ ليست ككل النساء، نبضٌ من العطاء، وأمٌّ تُجسد معنى الحنان، وصديقةٌ تحفظ العهد مهما باعدت الأيام بين الخطى.

حين تتلاقى الأرواح قبل الأقدار

عرفتُ ميسون في أحد أجمل محطات حياتي، عندما كنتُ متطوعةً في مدرسة خاصة، أُعلّم طلابًا أيتامًا من ذوي الحالات الخاصة. كان عملاً إنسانيًا بامتياز، لكنه لم يكن مجرد تجربة تطوعية، بل كان بابًا فتح لي نافذةً لرؤية ميسون سنان، أمينة المكتبة، المرأة التي كانت مكتبةً بذاتها، تحتوي الجميع بمحبتها كما تحتوي الكتب بين رفوفها.

كانت عاشقةً للقراءة، تنثر شغفها بين الطلاب كما تنثر الشمس نورها على الأرض. لم تكن مكتبتها مجرد مكانٍ للكتب، بل كانت عالمًا نابضًا بالحياة، ساحةً من الدهشة، وبحرًا من المعرفة، وركنًا دافئًا لمن يبحث عن الحكمة أو حتى عن ملجأ من صخب الحياة. كانت تمتلك أسلوبًا ساحرًا يجذب الطلاب إلى القراءة، تفتح لهم أبواب الخيال، وتحلق معهم في عوالم لم يكونوا ليصلوا إليها لولا كلماتها المشجعة وابتسامتها الدافئة.

عندما يتجلى معنى الأخوّة

ليس كل من نلتقي بهم يصبحون جزءًا من حياتنا، لكن ميسون كانت أختًا قبل أن تكون صديقة، قلبًا يحتويني في لحظات ضعفي، وسندًا يقف معي في أوقات الشدة.

لن أنسى ذلك اليوم الذي كنتُ فيه في طريقي إلى الجامعة، وكان المطر قد فاجأني في منتصف الطريق، وصلتُ إلى المدرسة وأنا غارقةٌ بالماء، بردٌ يلفّني، ووقتٌ يضغط عليّ لأن لدي محاضرة لا تحتمل التأجيل. لم تتردد ميسون للحظة، خلعت معطفها وأصرّت أن أرتديه، وكأنها أمٌ ترى في الأمر واجبًا لا فضلًا، وكأنها تعرف كيف تُدفئ الروح قبل الجسد.

ومرت الأيام، وكلما احتجتُ إلى كلمة دعم، كانت ميسون هناك، تشدّ على يديّ بكلماتها، وتفتح لي نوافذ الأمل حين تضيق الأبواب، وتفرح بإنجازاتي كما لو كانت نجاحاتها الشخصية. لم تكن مجرد صديقة، بل كانت ضوءًا يُرافقني في مسيرتي، يضيء لي طريقي حين يخبو النور من حولي.

اللحظات التي تختبر معدن القلوب

لكن ربما أجمل ما في العلاقات الإنسانية، أنها تُختبر في أصعب اللحظات. في يومٍ أليم، يوم فقدتُ والدي، كانت ميسون أول من جاء ليُواسيني، لم تأتِ كزائرة، بل كأختٍ تُدرك أن الحزن حين يكون عميقًا، لا يحتاج إلى كلمات، بل إلى قلوبٍ تُشعرنا أننا لسنا وحدنا في مواجهة الألم.

وقفت معي، تسأل عني، تُطمئن قلبي، وكأنها تريد أن تضع بين يديّ دفئًا يعوّض بعضًا مما فقدته، وكأنها تُدرك أن الحزن حين يُشارك، يخفّ وزنه ولو قليلًا.

أثرٌ يبقى مدى العمر

الأيام تمضي، والعالم يتغير، لكن بعض القلوب تبقى كما هي، شامخةً في وفائها، ثابتةً في عطائها، وميسون واحدةٌ من تلك القلوب التي تجعل الحياة أجمل، وتمنح الصداقة بُعدًا أعمق، وتُبرهن أن الأخوّة ليست مجرد رابطة دم، بل هي قلوبٌ تلتقي وتبقى رغم تقاطع الدروب.

شكرًا ميسون لأنك كنتِ وما زلتِ أروع أمّ، وأجمل صديقة، وأحنّ أخت. شكرًا لأنك علمتِني أن الإنسان لا يُقاس بعدد السنوات التي عاشها، بل بعدد القلوب التي لمسها، وبعدد الأثر الذي يتركه خلفه.

وإنما الإنسان أثر… وأثرك الطيب سيبقى معي مدى العمر.

شاهد أيضاً

القطاع الثقافي في الصين يشهد نموا مطردا في الربع الأول

القطاع الثقافي في الصين يشهد نموا مطردا في الربع الأول

شفا – أظهرت بيانات من الهيئة الوطنية للإحصاء يوم الثلاثاء، أن الشركات الكبرى في القطاع …