5:59 صباحًا / 19 فبراير، 2025
آخر الاخبار

إعادة الحياة للتعليم ، عن طريق إعادة تعريف مكونات العملية التعليمية ، بقلم : د. فواز عقل

إعادة الحياة للتعليم ، عن طريق إعادة تعريف مكونات العملية التعليمية ، بقلم : د. فواز عقل

التعليم هو المستقبل وهو وحده القادر على بقاء الشعوب.


وما احوجنا في هذا العصر/ عصر الإفراط المعلوماتي, عصر الانفجار المعرفي, تسونامي المهارات, إلى تجاوز التعريفات والممارسات القديمة لمكونات العملية التعليمية التي تقوم على التلقين والسرد والرواية والوعظ والإرشاد كنمط تعليمي والذي خرج ويخرج أجيالا مقلدة أجيال بببغاوية وهذا النمط التعليمي قتل روح الإبداع والمغامرة ويؤدي إلى احتلال العقل وتقزيم العقل والتبليد واللامبالاة والاستبداد وهو وسيلة للتدجين.


ولهذا لا بد من تبني تعريفات جديدة تناسب العصر وتواكب المستجدات وتطرح منطلقات ورؤى تربوية معاصرة تواكب المستجدات اليومية للمعرفة. وكذلك وضع تصورات واهداف جديدة وتحديد بوصلة واضحة للتعليم والتعلم والبيئة الصفية ودور المعلم ودور الطالب واستراتيجيات التعلم والمنهاج الدراسي وعملية التقويم والامتحانات وكل هذه الأفكار لمطروحة تقع في صلب القضايا التربوية التي تحدث تغييرا جوهريا في العملية التعليمية والممارسات الصفية.


وهذه المنطلقات يجب أن تتلاقى وتتلاءم مع كثير من تجارب ومفاهيم تربوية ناجحة لدول كثيرة في بلدان شرقية وغربية للاستفادة منها فمثلاً :


في اليابان لا أحد يتكلم عن حب الوطن ولكن الجميع يعمل من اجله بلا حدود، لا حديث ولا خطب رنانة عن الوطن والانتماء والاخلاق والديمقراطية ولكن الكل يمارسها في حياته اليومية، ولسان حالهم يقول هكذا الميكادو قد علمنا أن نرى الاوطان أما وأباً ،،
وفي فنلندا يقولون نحن لا نملك ذهباً ولا نفطاً ولكننا نملك التعليم (المعجزة الفنلندية) .


وفي ألمانيا وسر تقدمها ليس الثروات السمكية ولا النفط ولا المعادن، بل هو التعليم الذي يتساوى فيه الجميع، ولا يوجد تعليم خاص ولا جامعات خاصة، فمثلاً الطبيب يدرس الاخلاق والرحمة قبل ان يصبح طبيب ويمارس المهنة والاستثمار هنا في الانسان لأنه المستقبل.


ومن الضروري ان يجد المتعلم نفسه ضمن جماعة لا يذوب فيها ولا ينفصل عنها وقد اطلعت على كثير منها وتعاملت مع قضايا تعليمية فكرا وممارسة على أمل أن تصل هذه الأفكار إلى التربويين وكل المهتمين بالشأن التربوي وان تنتج حراكا وغليانا فكريا معرفيا حول مكونات العملية التعليمية لبناء تصورات جديدة عن التعليم والتعلم.

الغاية من التعليم


تتمثل في خلق أجواء ومناخات صفية تساعد المتعلم على التفكير وتوليد أفكار باستمرار وإلى وضع الطالب في المقعد الأمامي للعملية التعليمية ليصبح مسؤولا عن تعلمه وفيما يجري داخل الصف. لأن الطالب لا يتعلم لمجرد الدخول للصف والجلوس على الكرسي والاستماع للمعلم وتدوين الملاحظات, الطالب يتعلم عندما يكون مشاركا في كلما يجري داخل الصف لأنه لا تعلم بدون احتكاك وحوار ومناقشة وتفاعل وخضخضة أفكار. كل هذا يؤدي الى تعلم والتعلم يؤدي إلى تغيير ونمو AND MAKE A DIFFERENCE سلوكيا ومعرفيا.

العملية التعليمية بوضعها الراهن ومحتواها وآلياتها وهيكلها وممارساتها وأدواتها لن تقود إلى نتيجة مختلفة لأنه من أجل نتيجة مختلفة ينبغي على التعليم والتعلم أن ينتقل من السؤال ماذا سيتعلم الطالب (المحتوى والمادة الدراسية) إلى كيف يتعلم الطالب, والإجابة على الأسئلة التالية:
أين سنأخذ الطالب؟ الهدف؟
كيف سنأخذ الطالب إلى ما يريد؟ الأسلوب أو الطريقة
وكيف نعرف انه وصل؟
وهذا ينتج الفرق الجوهري لان هذه الأسئلة تعكس رؤيا مختلفة لاكتساب المعرفة. مرة اخرى التعلم يقوم أساسا على التفاعل والمشاركة وهنا تقوم الأفكار بتوليد أفكار جديدة وهذا هو جوهر العملة التعليمية. وهنا نتطلع إلى منح المتعلم فرصة للمشاركة الفاعلة في عملية صياغة خياراته وهنا يظهر دور المعلم كمشرف كمراقب كمهندس كمكتشف لقدرات الطلاب كمنمي والذي لا يجب أن يكون نسخة لأحد حيث يقوم على إيقاظ عقل المتعلم, Turn On Students Abilities UNLEASH STUDENTS Abilities أي إطلاق العنان لقدرات المتعلم لنقله إلى العصر الذي يعيش فيه وليس كناقل أو كراوي للمعرفة من خلال أجواء ومناخات صفية متغيرة ممتعة شيقة جذابة آمنة تفرخ مبدعين ولا تفرغ الإبداع

وأرى أن ربط التعليم في سياق محدد هو جوهر العملية التعليمية وقد تكون الأساليب التعليمية التي يتبعها المعلم رائعة من ناحية نظرية ولكن عند التطبيق والممارسة لا تعكس تلك الروعة وقد تكون ملائمة لموضوع معين أو مجموعة معينة او موقف معين ولكنها ليست صالحة لكل شيء. وهنا أقول من الأفضل للمعلم أن لا يعلم عشر مواضيع بطريقة واحدة بل يعلم موضوع واحد بعشر طريق مختلفة. وهنا أقول لو كان سقراط معلما لكان عليك أن تتعلم جالسا تحت شجرة بلا كتب بلا قلم بلا أي وسيلة معينة ولكن إذا كان المعلم غير مؤهل فإن ذلك يحد بالتأكيد من أي فرصة لأن نتعلم أمر نافع فكيف إذا كانت البيئة الصفية غير مشجعة قهرية وغرفة الصف مزدحمة والطالب ليس لديه رغبة في التعلم والمدرسة غير جذابة والكتاب فقد قيمته والمادة الدراسية ليس لها علاقة بحياة الطلاب ومستقبلهم ولا تلبي حاجات الفرد والمجتمع الآنية والمستقبلية واسلوب التعليم يقوم على التلقين والتخزين, كل ذلك يحد بالتأكيد من أي فرصة لأن يتعلم الطالب أمرا نافعا.


إن النهوض بالعملية التعليمية وآلياتها وهيكلها وأهدافها هو الذي يضمن السير إلى الامام دون تهميش دون إقصاء الآخر وإن الانتقال إلى التعليم المعاصر يتطلب مرة أخرى توفير مناخات تعليمية مختلفة متغيرة لأنها شرط لازم لأي عمل فكري وإبداعي.


وتطلب الانتقال إلى وعي جديد ينقل المعلم من صفة الراوي والناقل وكما يقول الشافعي: كونوا للعلم رعاة ولا تكونوا للعلم رواة. ويقول الشاعر : اذا المعلم لم تكن أقواله طبق الفعال فقوله لم يثمرا ،،،


وعلى المعلم رفع سقف حرية التعبير الصفي ومحاربة الكراهية للآخر وتحتضن الابداع والتفكير وتنتصر للعلم وللعقول وتتخلى عن ثقافة الصمت والتكرار وثقافة البغبغاوية والبنكية والسرد والتلقين والاستظهار. وفي التعليم التقليدي يتكلم المعلم ويسكت الآخر اي الطالب، ويقال له لا تتكلم ، لا تفكر، إفعل كذا، لا تفعل كذا ، المعلم هنا يريد الصمت والعقل يدعو الى الكلام بإستمرار ، وتقول الآية الكريمة (وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً )

وإن مقياس التدريس الفعال لا يحكم عليه من الطريقة والأسلوب التي يستعملها المعلم بل من خلال طريقة تفكير الطالب ومقدرته على التأثر وتطبيق وتوظيف ما تعلمه في الحياة اليومية.


قياس الفاعلية التعليمية يقوم على تلمس الفرق بين ما هو كائن ACTUCAL LEARNING وما سيكون INTENDED LEARNING بعد مرور الطالب بخبرات وتجارب وأفكار وممارسات وخيارات داخل الصف ومدى ما تحدثه من فرق وتغيير في حياة المتعلم وهنا أذكر : ليس المهم كمية المادة التعليمية التي يغطيها المعلم خلال الفصل أو خلال العام الدراسي ومقدار ما يعرفه الطالب من الحساب والجغرافيا والتاريخ بل المهم الطريقة التي يستثمر فيها الطالب معرفته وكيف يختلف المتعلم عن من لا يملك هذه المعلومات والأساليب الذهنية وقد يكون المعلم أنهى ثمانية وحدات من الكتاب أو المادة الدراسية ولكن الطالب لا زال يصارع في الوحدة الثالثة أو الرابعة وكما يقال إذا أسرع البناء في البناء إنهار البناء من أوله.


أنا انادي بحوار تربوي عميق من قبل خبراء ومهتمين وأصحاب قرار وأصحاب العقول النيرة يؤدي إلى إنتاج ممارسة تربوية متغيرة متجددة مواكبة تخاطب العقل وتنفض الغبار عن التعليم. لأنه إذا وضع الحجر الاول في البناء مائلا فسيرتفع البناء إلى السماء مائلا.

إن التعليم مهنة وفن ولها أصول وقواعد وممارسات ومهارات يجب مراعاتها والسؤال هو: هل كل من يملك شهادة في موضوع ما قادر على تعليم ذلك الموضوع؟ فلا بد من النظر إلى الكتاب كمرجع فقط ويمكن الخروج عنه بأنشطة ومشاريع صفية. وكما يقول سقراط : التعليم الذي جعل الاغريقي إغريقياً وليس المولد وفي هذا العصر المعرفة كالسراب كلما اقتربت منها ازدادت بعدا عنك.


وهنا أقارن بين البالون والشهادة:


نضع كمية من الهواء في البالون ينتفخ ويطير ولكن الهواء خارج البالون ليس له نهاية وكذلك الحصول على الشهادة في موضوع ما ومعرفة ما ، ونقول عن حامل الشهادة علامة ، عبقري ، ألمعي، أمة في رجل، وقال تعالى : (وما اوتيتم من العلم إلا قليلاً) ،
لكن خارج الشهادة هناك طوفان من المعلومات الذي لا تعرفه.

آمل أن تصل هذه الأفكار إلى التربويين وكل المهتمين بالشأن التربوي وأن تنتج حراكا وغليانا فكريا ومعرفيا حول مكونات العملية التعليمية. وسأستعين بأبيات من الشعر وأمثال وحكم لتوضيح المقصود، وقد يقول قائل في هذا الزمان الشعر والأمثال كله كلام ، واقول أن الشعر والأمثال تعكس حالة الظروف التي يعيشها المجتمع.
وأقول الزراعة تسد الجوع والصناعة تلبي الحاجات والتعليم يبني ويزرع ويصنع وطناً

رحم الله الشاعر الذي قال
مالي أرى التعليم أصبح عاجزًا على أن يصح فالنفوس مكسرة
حملوا الشهـادة دون أي ثقافة ختموا العلوم وأطفأوا القنديلا
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعظما
وما قاله الشافعي في دعوته للتجديد:
اني رأيت وقوف الماء يفسده وإن سال طاب وان لم يجر لم يطب
لو أن الشمس في الآفاق واقفة لملها الناس من عرب ومن عجم
ويقول الشاعر القروي رشيد الخوري الذي يدعو الى تنويع مصادر المعرفة عملاص بالحديث الذي يقول أطلبوا العلم لو في الصين. حيث يقول:
استقي الحكمة لا يشغلك من أي ينبوع جرت يا مستقي.
ويقول شاعر آخر واصفاً ما يجري في المجتمعات العربية :
الكل في هذي الديار مدرس والكل فيها شاعر وأديب
والكل ان شئت البناء مهندس والكل ان شئت الدواء طبيب
والكل في علم الحديث محدث والكل في علم الكلام خطيب.
والكل قد درس الحقوق وعلمها والكل في علم القضاء رهيب
الفقه عند الناس أمر هين والكل يفتي دائما ويصيب.
ما عاد في هذي الديار تخصص هذا لعمري وخجل ومعيب.
لو كلنا علم الحدود بعقله ما عاش فيها جاهل وكذوب.

ويقول اسحق عظيموف: يعتقد الكثيرين أن التعليم شيئ يمكنهم الانتهاء منه،
مالك بن أنس: نصف العلم لا ادري.
فولتير: العلم كالأرض لا يمكن ان نملك منه الا القليل.
يقول علي عزت بيجوبيتش : يمكن أن يكون التعليم لا انسانياً اذا كان عملية من جانب واحد موجهاً وقائماً على تلقين تعاليم الحزبية واذا لم يكن يعلم الفرد كيف يفكر بطريقة مستقلة ويقدم اجابات جاهزة بدل من توسيع افقهم وبالتالي حريتهم.

وأخيراً اقول:
التعليم ليس سلعة تستهلك وتستورد وانما هو فكر يمارس ويوطن
التعليم يقوم على تزويد المتعلم بمهارات القرن الثاني والعشرين ، مهارات اكاديمية تكنولوجية وحياتية.
التركيز من خلال التعليم على الحرية والمرونة والتعلم والمتعة داخل الصف.
من لا يتعلم شيئاً جديدا كل يوم ، يزداد جهلا يوماً بعد يوم.
مهمة التعليم فتح نوافذ جديدة للطالب
التعليم أن تظهر للآخر ما هو قادر على فعله والتعلم جعل ذلك ممكناً
أول خطوة لإصلاح التعليم هو تحرير عقول الاطفال من التعليم المؤدلج وتعليم الخرافة
وعلى معشر التربويين وأصحاب العقول النيرة تقديم بدائل لتعليم إعتمد على التلقين والتلقيم وحشو المعلومات في عقل الطالب ولأنها تقوم على إهمال وتغييب العقل وتعمد الثقافة البغبغاوية حتى لا يفكر الطالب فيما يعرض عليه

ومن الضروري لإحياء التعليم


⦁ اعتماد أساليب واستراتيجيات جديدة في التدريس تخاطب العقل وتقوم على التربية الحوارية وتكون أكثر تحفيزاً وتنوعاً ومرونة وتجمع بين العقل والعمليات التعليمية، ولان تنوع الألوان يعطي جملاً للوحة الفنية، ومحاولة إعادة الحياة للتعليم أو كما يقل ” إن الضرب في الميت حرام ” لأن المتعلمين يتعلمون بشكل أفضل عندما يكونوا فاعلين مشاركين منغمسين والمهم في التعليم كما تقول النزعة البنائية هو بالضبط نشاط الذات ، بحيث يكون للمتعلم حق في إختيار منهجه وإستنتاجاته عبر منهج البحث والإبتكار التي تمكنه من بناء معرفته الخاصة. ومن الضروري لإحياء التعليم:
⦁ الانتقال من وضعية التعليم الى وضعية التعلم لأن التدريس يعني الانخراط الذاتي ووضع المتعلمين بوضعية الشراكة حيث يكون المتعلم في المقعد الأمامي للعملية التعليمية
⦁ الانتقال من توحيد التعليم الى تفريد التعليم
توحيد التعليم يعني ما دام طالب واحد قادر على تحقيق المعيار فجميع الطلاب قادرون على ذلك من خلال نشاطات واختبارات وواجبات ومشاريع ، أي مقياس واحد للجميع، أي أن الطلاب يتمتعون بنفس القدرات والإمكانات والتركيز على
One Size For All
All In One
وتعليم عشر مواضيع بنفس الطريقة.

أما تفريد التعليم، فيعني وضع خطة فردية لكل طالي تتناسب مع الإختلافات الطبيعية بين طالب وآخر ومراعاة أنماط التعلم لأن


Every Learner is Unique
وتركز على تعليم موضوع واحد بعشر طرق مختلفة ليناسب أنماط تعلم الطلبة


وعلى المعلمين هنا كما يقال: Teachers Must Shift Gear
⦁ تشجيع تعليم التفكير الإبداعي في المدارس الذي لا يقل أهمية عن تعليم المهارات الأساسية (القراءة والكتابة والحساب) لأن المدارس لا يمكن أن تكون مكان للتعلم أو مصانع للمستقبل والصهر الثقافي بدون تعليم المتعلم أن يقول “لا” وأن يبحث عن الحقيقة وأن يستعمل عقله ،
⦁ خلق نظام تعليمي نوعي لإنتاج أناس يقودون المجتمع الفلسطيني الى مستقبل أفضل ولا يخنق التفكير الحر والنقد وإدلاء الرأي والمبادرة والمخاطرة والتحدي لأنها ضرورية لخلق جيل شاب مفكر.


وكما قال الشاعر:


شباب قنع لا خير فيهم وبورك بالشباب الطامحين

ويقول ميشيل فوكو الفرنسي
ليس لدينا مدارس ، لدينا سجن وهو المدرسة وسجان وهو المعلم وسجين وهو المتعلم
وأخيراً
New Development Must:
⦁ Shape Our Thinking About Education
⦁ Create Educational Vision of the Future That we Begin Today.

وأقول: نحن التربويون المحاورون أصحاب اليقظة ، أصحاب البوصلة، نصنع البوصلة لليوم التالي ولا ننتظرها

  • – د. فواز عقل – باحث أكاديمي في شؤون التعليم والتعلم

شاهد أيضاً

عدي الزاغة

قوات الاحتلال تعتقل الفنان عدي الزاغة

شفا – اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الثلاثاء، الفنان الفلسطيني عدي الزاغة، من مدينة نابلس …