7:39 صباحًا / 10 أكتوبر، 2024
آخر الاخبار

تربية التعليم التحرري وتراتيب علاقات القوة ، بقلم : نسيم قبها

نسيم قبها

تربية التعليم التحرري وتراتيب علاقات القوة ، بقلم : نسيم قبها

لم يكن ارتباط التعليم التحرري بالشعوب المقهورة أكثر من غيرها وليد عضوي متلازم ، ففكرة التحرير فكرة ديمومية في كل مجتمع مقهورا كان أو حتى مستتب اجتماعيا ، لأن معضلة الإستبداد التي تقود إلى التربية التحررية غير مقتصرة في النتوءات التي تخدش المجتمعات المحكومة مركزيا بشكل سلطوي عنيف ، بل تتعدى ذلك إلى المجتمعات التي تدعي الحرية ، وهذا يعني الحاجة للتربية التحررية في كل أطياف المجتمعات الشمالية والجنوبية باعتبار ازدواجية القاهر والمقهور في صراعهم يتجلى في أدوات متباينة يصوغها العقل التحرري نفسه ، وضمن سياق ونمط الثقافة السائدة من أجل إعادة إنتاج الوعي الذي تكلّست خطورته في امتدادات التعليم البنكي التطبيعي ، و الذي جعل الإنسان سلعة التعليم ، فتكمن أزمة التعليم هذا التعليم في المجتمعات المتخلفة في أنه يعتمد على أسلوب التعليم التلقيني البحت ،و القائم على وجود طرف حاك، أو ملقي، أو مرسل، وطرف آخر يقوم بدور المتلقي والمستمع، لينتهي بملئ عقول الطلبة بكلام ومعلومات أفرغت من محتواها الفعلي ، ما يترتب على ذلك تطبيع المتعلم وتطويعه لقبول فكرة التعليم من أجل حفظ المعلومة دون محاكمتها ، فيما التربية التحررية تجعل من الإنسان أداة التحرر وجوهرها .

إن المسألة المهمة التي يجب أن تبقى متّقدة في التربية التحررية هو أن يشعر القائد (الطالب) فيه كمربيه ، أي أن يسمع صوت الذات الفخرة ، وصوت ذواته الجمعية في مسائل حياته المجتمعية ، باعتبار المجتمع من مسؤوليته التي لا تنفكّ ، فهذا النّوع من التربية ينطلق من قناعة واعية متوعّية بأن المبدأ التّعليمي المبني على التربية لا يكون تعليمـــاً ما لم يتخذ من التّحرّر نقطة انطلاق ، فهو يقدّم بشكل ممارساتي فاعل في الحياة ولها ، ومن خلال طرائق تعليم المقهورين بالأسلوب الذي يسهمون فيه بصورة واقعية إيجابية فاعلة فذّة واعية مبادئة عملية هادفة مشوّقة خطرة لذيذة في العملية التعلمية المبنية على حرية الفكرة ، حرية اتخاذ القرار الناتج عن التفاعل التعلمي ، ما يعني أن الطالب يتخذ قراره الخاص من مطبّات الحياة التي تخلو من الصعاب والتحديات . ففكرة التحرر في التعليم تمنع الإخلال الفوضوي ، وتمنع استنساخ طلبة في القارات المتباعدة ، متشابهون ومتقاربون في سطحية تعاملهم مع الحياة وفيها ، لأن تحرير التعليم يقتضي وضوح الأهداف ووضوح المنظومة التعلميّة ، ويمنع منعا باتا الإخلال المنهجي في التعليم ، والذي يكون حائلاً فسيولوجيا وسيكولوجيا دون تحقيق مشتهى التحرّر المطلوب دون غيره، لأن المقهورين حينها إن لم يشعروا بإنسانيّتهم التي هي وقود العمل ، ووعيهم الثّقــافـي الذي هو محرك الخطا ، وحسّهم الوطنيّ والذي هو دافع الغاية ، فلن يستطيعوا التّعامل مع بعضهم البعض ، بل لن يكون هنالك تناغما وانسجاماً موحدّاً بينهم حول الفكرة الحقيقية لمعنى التحرّر الذي هو مبتغى الممارسة ، لذا لا بدّ من أن يدافعوا بأظافرهم عن تعليمهم الباني ، وعن إنسانيتهم الجريحة ، وإنسانية قاهريهم الملطّخة بالإفتراس التوحّشي في ذات الوقت .

ومن هنا فإن أيّ تعليم تحرري ولو أنه خط واحد في أهدافه الحاسمة ، عليه بالضرورة أن يصادم علاقات القوى والقوة في هرم التربية السائدة ويناجزها ، ويخلخل سلطويتها وتراتبيتها الفوقية المستمدة من الإرث الرتيب بعنف واع ، حتى يتمكن من إعادة إنتاج سلطوية القوة التربوية التعلمية بطريقة تتلاشى فيها الفروق الواضحة بين متعلم أرسطقراطي ومتعلم أنهكته تجاوزات المواصلات التي لا تنتظره ، بالإضافة إلى التمايزات النفسية والإجتماعية بين المعلّم والمتعلّم ، والتي تفرضها اجتماعيات الشارع ، بشكل تبصرها التربية الرسمية ، والتي لها اشتراطاتها على مسيرة التعليم الصدئة ونتاجها ، الأمر الذي يعني نسف الإشتراطات ، وإعادة هيكلة الأولويات بشكل مختلف عن تسليعية المناهج لتناسب سوق المضبوعين.

إن التعليم الذي لا يقوم على مبدأ معالجة المشكلات ، هو تعليم انبطاحي ينتج طلبة معتقلون في تفكيرهم ، ما يعني أنه حيث يتم مناقشة المشكلات التي تواجه المتعلمين والمعلمين والمجتمع من خلال علاقة بعيدة عن الاسلوب التقليدي سيكون بداية تحرر التربية وتحرير النصّ ، وبذلك ينضوي إحلال علاقات جديدة في المفهوم ، هي علاقة المتعلم المريد ، والمعلم المريد معًا ، و بشكل بيداغوجي يستثير العقل في مسؤوليته بتغيير الواقع ، سواء من خلال حل المشكلات التي يتم هضم مسبباتها للخروج بقاعدة انطلاق للمعالجات ، أو من خلال العلائقية التي تحوي الاستفادة من الطرفين وللطرفين والمجتمع ، أي أن الجميع يتبادلون في إنتاج المعرفة وتشاركيتها ، في ممارسة جمعية تحررت من بروتوكولات بنكية التعليم الهاوي .

إن التربية التحررية المنبثق عنها ( التعليم للتغيير) هي طريقة التعليم في معالجة المشكلات ، معالجة بمعنى رفض الواقع من خلال عدم السكوت ، من خلال إزالة الأتربة عن الجذور المتيبّسة ، وقلعها إن لزم الأمر ، تربية يشارك الطلبة فيها بالتبصّر لإيجاد الحلول دون مهادنة ، وهكذا تتم ممارسة عملية تغيير مستمرة مستمدة من رؤية المتحررين في التعليم .

إن دور المتعلم هنا لا يقتصر على الاستماع فقط ، مع أن الإستماع أول خطوات المواجهة ، بل المشاركة بالنقد والبحث والحوار ، المشاركة بطرح ( السؤال) ، لأن السؤال أول المعركة ، وكل هذا يدور بين المعلم والمتعلم والمجتمع بشكل إجابي مع خطورته على الشركات التي تصنع مئات الملايين علب الهندسة التي لا تستطيع قياس محيط شجرة في ساحة المدرسة .

ولأن التربية التحررية تمكّن كلا الطلبة والمعلمين من تجاوز ظاهرة الاحتكار المعرفي الثقافي السياسي ، والخضوع للتصورات الكاذبة والساذجة عن العالم والحياة ، كتلك الخيالات التي بدأت مع المراحل الأولى للتربية الركيكة ، وصولاُ الى القواعد التربوية التي فرضها ويفرضها القاهرون لغيرهم ، كان التعليم التحرري هو أداة نسف القهر الموسوم بالتربية الإنتهاكية من خلال نظام يتناول فيه المعلم والمتعلم أدوارهما الإيجابية داخل النسيج المدرسي التفاعلي الإجتماعي الحواري ، والذي لا يتقيّد بقواعد ترقيم البشر ، وترقيم الطلبة بناء على ببغاوية الحفظ ، بينما التركيب والتقويم في غبار الذاكرة .

إن إطار عملية التفاعل الاجتماعي، وترسيخ أسس التربية الحوارية في التربية التحررية هي النظام العصري الذي يتلاءم مع كل الدم الذي يسيل في غزة مع اغتيال المدارس والجامعات ، ومع قهر الأوروبيين من تحكم رأس المال بمصيرهم المتدحرج ، هو التعليم الذي ينبش في جدوى الصناعة التي تغتال نظافة الهواء ، وهو التعليم الذي يجب أن يحاسب مدعوا الحرية في عمليات القتل الممنهجة للإحتلال الصهيوني في فلسطين ولبنان بلا رادع ! . ولا شك أن التربية التحررية تسهم بشكل لازم في تنمية روح الاستقلالية لدى الناس ، وتشجعهم على بناء حب التساؤل وممارسة التفكير المستهدف في الغيابات ، واكتساب كثير من المهارات العقلية وتوسيع آفاقها، وتعميق الوعي التربوي، والقدرة على حل المشكلات، والتخلص من الجمود العقلي وتلبّد الحواس.


لذلك لا بد ان يعتمد التعليم التحرري على آليات فطرية ابتدائية نظيفة مثل التعاون والمبادأة والإنطلاق والمشاركة والإشتباك ليكون الهدف المشترك وهو تطوير العالم وتغييره نحو ( الأنسنة) المبتغاة ، والتي يحتاجها القاهر والمقهور ، والحاكم والمحكوم ، الذي يحتاجها الإنسان بوصفه المجرّد .

إن وحدة القوى المقهورة من أجل التحرر ، من الآليات المهمة لتحقيق الغاية ، وذلك من خلال ايجاد وعياً طبقياً أفقيا مجتمعيا عالميا ، أي الاحساس بالظلم الاجتماعي بين المقهورين من أجل ان يعرف القاهر وحشيته اللاآدميّة وما يعني ذلك من خروج على الفطرة ؟ ، بالإضافة إلى التآلف العاطفي الثقافي والذي هو آلية تحرريّة بنّاءة معطاءة ، وباعتبار أن العمل التحرري يستهدف احتواء المتناقضات ويجمعها ، وقد يفرّق بين المتشابهات المضلّلات ، وبذلك يتمكن من تحقيق حرية الذات والناس ، من خلال التآلف بين المجتمع ليصبح الأفراد متشاركين في العمل الذي يقومون به معًا تجاه العالم المخطوف بالتعليم المضلّل .

إن التآلف المعرفي الوجداني الثقافي للقوى المقهورة (لا يرفض الاختلاف في وجهات النظر ، لانه مبنيّ على مثل هذا الاختلاف، فبين الخلاف والإختلاف ثمّة مساحة تعلم كبيرة ، ولكن التآلف بالضرورة يرفض الغزو الثقافي المعرفي ( العولمة) والتي تمارسها فئة نافذة سلطويا على فئة ما ، ويؤيد ذلك الدعم المشروط الذي تقدمه فئة الى فئة) .

لقد حدد فريري المعالم الرئيسة لفلسفة الثورة وهي التي تستهدف تحرير الانسان وتوجيه طاقاته نحو تغيير العالم الذي يعيش فيه، وذلك بإعتبار الثورة هي عمل يمارسه المقهور من اجل تجاوز ظروف القهر واكتساب حريته ، وهو في هذه الممارسة يواجه القاهرين الذين لا يريدون له أن يتحرر ، بل يريدون له أن يستبطن ظروف القهر ويعتبرها قدرا لا يمكن رده، وأن هذه الثورة لا يمكن لها أن تتحقق الا عن طريق ” التعليم الحواري ” وما يعنيه فريري بالتعليم الحواري ليس الجدل العقيم الذي يمارسه قادتنا وإنما هو ضرب من الوعي بالواقع ألانساني ، فالانسان عندما يتبين واقعه يدخل في علاقة حوارية مع نفسه وزملائه والعالم الذي يعيش فيه، وهذه العلاقة الحوارية هي التي تخدم الوعي، وهي التي تؤدي الى الحرية وبالتالي الى تغيير العالم.

لقد أثبتت التجارب عبر التاريخ أن الذي يبعث عند الناس التفكير ليست النظريات ، ولا كتب الفلسفة مع أنها مهمة ، إن الذي يبعث عن الناس التفكير هي الأحداث الدموية التي تسحقهم ، وهذه الأحداث أما أن تكون طبيعية ، وإما أن تكون بشرية ، وأما الأحداث الدموية البشرية التي تسحق الناس ، والتي تحصل جرّاء علاقات القوة المدفوعة بالمصالح ، فإن علاجها الذي لا يخيب ، هو إعادة التعليم إلى التحررية ، أن تكون التربية التحررية هي مشكاة العالم التي من خلالها سيقف ابن القاهر التحرري بوجه أبيه البنكي ، وهنا تعاد صياغة ترتيب العلاقات.

شاهد أيضاً

رئيس الموساد الإسرائيلي يُسلم رسالة لرئيس وكالة المخابرات المركزية الامريكية

شفا – كشفت مصادر إسرائيلية الليلة أن رئيس الموساد ديفيد برنيع سلم رسالة مهمة إلى …