1:52 صباحًا / 19 يوليو، 2025
آخر الاخبار

متى يكون لنا يوماً مانديلياً ، بقلم : أ. مروة معتز زمر

متى يكون لنا يوماً مانديلياً ، بقلم : أ. مروة معتز زمر

متى يكون لنا يوماً مانديلياً ، بقلم : أ. مروة معتز زمر


في الثامن عشر من تموز، لا يُحتفى فقط بولادة رجل، بل بولادة فكرة: (إنَّ الإنسان قادرٌ أن ينتصر على السجن، لا بالسلاح، بل بالثبات).


يوم نيلسون مانديلا أقرّته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2009، تكريماً لسنوات نضاله التي بلغت 67 عاماً، منها 27 قضاها خلف القضبان، وخرج منها لا ليحكم بلاده فحسب، بل ليُعيد صياغة مفهوم العدل، والحرية على مستوى العالم.


في هذا اليوم، تُشجّع الشعوب على تخصيص 67 دقيقة من العمل الإنساني، )هي رمزية لسنوات خدمة مانديلا 67عاماً من الكفاح من أجل حقوق الإنسان، ضد الفصل العنصري، ومن أجل العدالة(، في إشارة إلى أن النضال من أجل الكرامة لا يكون فقط في الساحات، بل في اختياراتنا اليومية :كيف نكون طيّبين في عالم يستهلك كل طاقتنا، وكيف نرفض الظلم حتى في أبسط دوائره.


ونحن أين يومنا المانديلي؟ ألسنا نحن من قضينا قرابة الثمانين عاماً نُمنَع من الدخول إلى مدننا إلا بهوية وتصريح؟ ألسنا من وُلِد تحت الاحتلال، وعاش على الحواجز، ومات في الانتظار؟ ألسنا من لم يُخصَّص له حتى 6 دقائق في ضمير هذا العالم، بعد أن تجاوزنا الـ 70 عاماً من النضال والصبر؟ متى نخرج من الهامش ونكتب على جدران العالم:
نحن هنا، ولسنا عبئاً على التاريخ؟ إنّ اليوم المانديلي ليس يوم ميلاد رجل، بل ميلاد ضمير، وحين نسأل: متى يكون لنا يوماً مانديلياً؟ فكأننا نصرخ: متى نُرى؟ متى تُخلَّد أسماء نسائنا، وشهدائنا، وأمهاتنا، وأحلامنا الصغيرة التي دهستها المجازر؟ متى يصبح للعرب يومٌ لا يُربط بنكسة أو نكبة أو عزاء؟ يوماً لا نقف فيه على الحواجز، نُفتَّش عن هويتنا، ونُبرر حقّنا في الحياة؟


قال مانديلا: (الحرية لا يمكن أن تُعطى على جرعات، فإما أن تكون حرّاً، أو لا تكون)، ونحن لم نُمنح الجرعة، ولا الحياة، ولا الحق، فكل ما نعيشه منذ ما يزيد عن سبعين عاماً، هو الانتظار… وفي هذه الأيام، يعيش الفلسطيني على حدود وطنه كغريب يتوسل إذناً بالمرور، الفلسطيني لا يُسجن فقط في زنزانة، بل يُسجن في كل سطرٍ من يومه: في بطاقة الهوية، في الجدار، في الطابور الطويل على حاجزٍ قد يُغلق دون إنذار، في صلاة مؤجَّلة لأن القدس تحتاج إلى موافقة أمنية.. فمتى ننعم بيومنا المانديلي؟


الحرية ليست فقط شعاراً سياسياً أو مطلباً قانونياً، بل احتياج نفسيّ جوهري، يشبه الحاجة إلى الحب، إلى الانتماء، إلى المعنى، ففي علم النفس الإنساني، يرى كارل روجرز أن الإنسان لا يزدهر إلا إذا شعر بأنه حرّ في أن يكون ذاته، أما فيكتور فرانكل (الذي عاش تجربة الاعتقال النازي) فيؤكد أن المعاناة تصبح قاتلة حين تُسلَب منك الحرية في اختيار ردك تجاهها، فالحرية ليست رفاهية، بل شرطٌ للصحة النفسية والوجود الإنساني.


أن تُمنَع تماماً من التنقل، أن تُفتّش في صلاتك، أن تنتظر إذناً للسفر أو العلاج أو حتى للاحتفال بمراسم زواج، أو إقامة مراسيم دفنٍ تليق بموتانا وتحترم ألمنا، هو أن تُسحق في داخلك أبسط مستويات الكينونة، ويتحوّل جسدك إلى وعاءٍ لخوفٍ مستمر، وقلقٍ مزمن، وشعور دائم بعدم الأمان؛ ولهذا، فإن الاحتلال ليس فقط اغتصاباً للأرض، بل قمعٌ متواصل لحق الإنسان أن يكون نفسياً، حراً، قادراً على أن يحلم ويختار ويعيش بكرامة.


في الطفولة، تُبنى تصوّراتنا الأولى عن الذات، عن الآخر، عن العالم، لكن ما الذي يحدث حين يُولد الطفل في مكانٍ تتحوّل فيه الحدود إلى جدران نفسية؟


حين يرى والده يُوقف على الحاجز، وأمه تُفتّش، وأخاه يُعتقل؟ في علم النفس النمائي، تُعتَبَر الحرية شرطاً أساسياً لتكوين هوية صحية، فالطفل يحتاج أن يجرّب، أن يُخطئ، أن يختار، أن يقول لا، ليتعلم لاحقاً كيف يكون مسؤولاً، واثقاً، مستقلاً في اختياراته، لكن في الواقع الفلسطيني، الطفل لا يتعلم معنى أنا أختار، بل يتربّى على: ممنوع، انتظر، احمل هويتك، اخفض صوتك، الجنود في الشارع، لا تخرج من البيت، المدرسة مغلقة بسبب الاجتياح.


طفلٌ في السادسة قد يعرف اسم أكثر من شهيد، لكنه لم يُمنَح بعد وقتاً كافياً ليفهم ما هو اللعب الحر أو الحديقة العامة. إن أول ما يُسلب من الطفل الفلسطيني هو (طفولته)، يُنتَزع من مساحة الاكتشاف ليُدفع إلى حافة التكيف القسر، وهكذا، يكبر الجيل وهو يحمل ذاكرة مشحونة بالخوف والحذر، مما يؤدي إلى اضطرابات في التكوين النفسي مثل: القلق المزمن، الشعور بعدم الأمان الوجودي، تبلّد الحس أو فرط الحساسية للمثيرات، انخفاض القدرة على الحلم والمبادرة، وحين يُسأل هذا الجيل: ما حلمك؟ قد يُجيب ببساطةٍ مؤلمة، قد تبدو تافهة لمن وُلِدوا بأرض الحرية ولم يعانوا الحصار: أن ألعب في الشارع بلا خوف، وأن أنام دون صوت الجنود.. فلماذا نلومهم على بساطة أحلامهم، حين يُسلب منهم أبسط حقوقهم في الحياة والكرامة؟


على كل حال لسنا بحاجة ليوم عالمي يتذكّرنا، بل إلى يوم لا نُنسى فيه، نريد أن نمشي في أرضنا بلا تصاريح ولا تبريرات، أن نُسافر بلا إذن، ونُصلي بلا تفتيش، ونعيش بلا قيد جغرافيّ أو نفسيّ.

شاهد أيضاً

إجتماع إسرائيلي أمريكي لبحث تهجير سكان غزة

شفا – زار رئيس الموساد الإسرائيلي العاصمة الأمريكية واشنطن هذا الأسبوع. ووفقًا لمصادر القناة 12 …