1:51 صباحًا / 19 يوليو، 2025
آخر الاخبار

بين التحديات المالية والقلق الشعبي: قراءة هادئة في بيان الحكومة الأخير ، بقلم : الدكتور عماد سالم

بين التحديات المالية والقلق الشعبي: قراءة هادئة في بيان الحكومة الأخير ، بقلم : الدكتور عماد سالم

بين التحديات المالية والقلق الشعبي: قراءة هادئة في بيان الحكومة الأخير ، بقلم : الدكتور عماد سالم


في خضم الظروف السياسية والاقتصادية غير المسبوقة التي تمر بها فلسطين، وفي ظل تفاقم الأزمة المالية المرتبطة باحتجاز أموال المقاصة لدى الاحتلال الإسرائيلي، جاء بيان مجلس الوزراء الأخير عقب الاجتماع الطارئ ليطرح عددًا من الرسائل التي أثارت نقاشًا واسعًا بين المواطنين، وبشكل خاص بين فئة الموظفين العموميين الذين يشكّلون عماد الخدمة العامة في الدولة.


وجاء البيان الصادر عن مجلس الوزراء عقب اجتماعه الطارئ ليزيد القلق بدلاً من أن يخفّف من حدّته. فعوضًا عن تقديم رؤية واضحة ومطمئنة، اتّسم البيان بلغة غير مألوفة في البيانات الحكومية المسؤولة، وأثار تساؤلات جدية حول مدى التزام الحكومة بمبدأ الشفافية وحماية الحقوق الأساسية للمواطنين.


ومع تفهم السياق الوطني العام الذي صدر فيه البيان، إلا أن بعض مضامينه أثارت تساؤلات موضوعية تستحق التوقف عندها بروح وطنية مسؤولة، هدفها تعزيز الثقة، وتقريب الفجوة بين صانع القرار ومن يتأثرون به.
أولًا: لغة البيان تحتاج إلى مزيد من الطمأنة


في ظل الأزمة، يتوق المواطن إلى خطاب يتّسم بالمسؤولية والهدوء. وقد لاحظ كثيرون أن الإشارات الواردة في البيان إلى “تقليص الدوام” أو “إيقاف مؤقت للدوائر” كان من الممكن أن تُصاغ بأسلوب أقل إثارة للقلق وأكثر تركيزًا على التشارك في إدارة الأزمة. فالموظف – وهو جزء من بنية الدولة – ليس طرفًا يُهدَّد، بل شريك يجب إشراكه وتقدير صموده والتزامه.

ثانيًا: ملف الرواتب بحاجة إلى وضوح أكبر


لا شك أن الحكومة تبذل جهودًا كبيرة لتأمين الرواتب في ظل أزمة مالية خانقة، ومع ذلك فإن غياب جدول زمني أو آلية محددة لصرف المستحقات يترك الموظف في حالة من الغموض والضغط المعيشي المستمر، فالموظفين أصبحوا ضحايا مزمنين للأزمات السياسية والمالية. إن الإصرار على استخدام عبارات ضبابية من نوع “نواصل العمل” لا يمكن أن يحلّ محل المصارحة، ولا يليق بموقف يُفترض أن يكون جادًا في طمأنة آلاف العائلات التي تنتظر قوت يومها.
إن التواصل الصريح والمنتظم حول هذا الملف – حتى دون وعود مؤكدة – يُساهم في تخفيف القلق ويعزز من الصمود.


ثالثًا: أزمة المقاصة… تبرير حقيقي لكن ليس بديلاً عن التخطيط


من المعروف أن أموال المقاصة المحتجزة لدى الاحتلال – والتي تشكّل ما يزيد عن 60% من الإيرادات العامة – هي السبب الرئيس وراء الأزمة المالية، وأن استمرار إسرائيل في هذا النهج يندرج ضمن سياسة ممنهجة للتضييق السياسي والاقتصادي على السلطة الفلسطينية.


صحيح أن الاحتلال الإسرائيلي يحتجز منذ شهور أموال المقاصة التي تُقدّر بـ9.1 مليار شيقل، وهي تشكّل ما يزيد عن 60% من الإيرادات العامة، وتُعتبر شريانًا ماليًا رئيسيًا لخزينة السلطة. كما أن استمرار هذا الاحتجاز ضمن سياسة العقاب الجماعي يهدف إلى خنق السلطة ماليًا وتركيع الشعب سياسيًا.


لكن السؤال المطروح هنا: هل يجوز أن تبقى الحكومة رهينة لهذه الأزمة دون أي خطة بديلة؟


⦁ أين إجراءات التقشف الجدية التي تعكس وعيًا بعمق الأزمة؟
⦁ أين الجهود لتعظيم الجباية الداخلية دون إنهاك المواطن البسيط؟
⦁ أين استراتيجيات التمويل الطارئ؟ وأين الضغط الدبلوماسي الفعّال والمستمر لاسترداد هذه الحقوق المالية؟
⦁ لماذا لا يُصارح المواطن بحجم العجز الحقيقي، وطرق التعامل معه وفقًا للأولويات؟
إن استخدام أزمة المقاصة كمبرر دائم دون اتخاذ إجراءات داخلية ملموسة، هو تخلي غير معلن عن المسؤولية، لا سيما تجاه آلاف الموظفين الذين أصبحوا ضحايا حرب مالية تُدار من بعيد.
لكن في الوقت ذاته، لا يمكن التعويل على هذا التبرير وحده دون تفعيل خطط داخلية واضحة، مثل:
⦁ ترشيد النفقات العامة بشكل تصاعدي وعادل.
⦁ خطوات تقشفية تبدأ من رأس الهرم الحكومي، لا من الموظف البسيط
⦁ مراجعة بنود الإنفاق الحكومي، ووقف النفقات غير الضرورية.
⦁ تعزيز الإيرادات المحلية دون إنهاك المواطنين.
⦁ إشراك النقابات والكوادر في صياغة إجراءات واقعية ومقبولة.


رابعًا: ضرورة تعزيز الشفافية في الشأن المالي


تعزيز ثقة الجمهور بالحكومة في أوقات الأزمات يبدأ من إرساء مبدأ الشفافية. أشار البيان إلى أن الأموال المحتجزة لدى الاحتلال تقدّر بـ9.1 مليار شيقل، لكنه لم يقدّم أية معلومات إضافية حول ما تبقّى من موارد، أو حجم الإنفاق، أو توزيع المداخيل الأخرى. ألا يحق للمواطن أن يعرف؟ هل هناك نشر دوري لبيانات الموازنة الحقيقية؟ الشفافية ليست ترفًا بل ضرورة، خاصة في زمن الأزمات.


ولذلك، فإن نشر بيانات دورية حول حجم الإيرادات، والمصروفات، وأوجه توزيع الموارد – بما فيها الدعم الخارجي والتحصيل المحلي – سيكون خطوة محورية نحو بناء الثقة وتخفيف الإشاعات والمخاوف.


خامسًا: الإدارة الوطنية للأزمة مسؤولية جماعية


في الوقت الذي تبذل فيه الحكومة جهودًا كبيرة على المستوى الدولي لاسترداد الحقوق المالية، فإن المسار الداخلي لا يقل أهمية. مطلوب اليوم خطاب وطني موحد، وإجراءات مدروسة، وتواصل دائم مع فئات المجتمع وخاصة الموظفين، باعتبارهم شريحة أساسية في صمود المؤسسة الوطنية واستمرارها.


صحيح أن الحصار والاحتلال يفرضان واقعًا قاسيًا، لكن تعليق كل الأزمة على “شماعة الخارج” لم يعد مُقنعًا. المطلوب من الحكومة أن تتحرك داخليًا بكل ما لديها من أدوات وموارد، وأن تثبت أنها تملك رؤية اقتصادية مرنة وشجاعة، لا مجرد بيان دبلوماسي بلا أثر داخلي.


خاتمة: نحو خطاب يوازي صمود الموظف ويُعزز الثقة


إن المرحلة التي نمر بها استثنائية بكل المقاييس، وتتطلب من الجميع – حكومة وموظفين ومواطنين – أعلى درجات التكاتف والانضباط، ولكن أيضًا أعلى درجات الشفافية والتخطيط الواضح. لقد أثبت الموظف الفلسطيني التزامه رغم الضغوط، وصبره رغم الغموض، واستعداده لتحمل المسؤولية، لكنه يستحق في المقابل خطابًا يوازي هذا الصمود.
فقد جاء بيان مجلس الوزراء الأخير خاليًا من الطمأنينة، ومفتقرًا إلى المبادرة، ومشحونًا بلغة التهديد والغموض.
ومن هنا، فإن المقترحات التالية تُطرح بروح المساهمة الوطنية:


⦁ تعزيز الخطاب التشاركي في بيانات الحكومة، والابتعاد عن العبارات المثيرة للقلق.
⦁ نشر تقارير دورية تشرح الوضع المالي الراهن، مع شرح صريح حول آفاق الرواتب.
⦁ تقديم جدول زمني شفاف لصرف المستحقات، ولو بشكل جزئي.
⦁ تشكيل لجنة أزمة تضم ممثلين عن الموظفين والنقابات لاقتراح حلول عملية وتشاركية.
⦁ ضمان استمرارية العمل الحكومي بروح الانضباط، مع الحفاظ على كرامة وحقوق الموظفين.


هذه الملاحظات والمقترحات لا تأتي من موقع الاعتراض، بل من حرص حقيقي على أداء مؤسسي متكامل، يُقوّي الجبهة الداخلية، ويحفظ هيبة الدولة، ويعزّز الثقة بين المواطن ومؤسساتها في أصعب الظروف.

شاهد أيضاً

إجتماع إسرائيلي أمريكي لبحث تهجير سكان غزة

شفا – زار رئيس الموساد الإسرائيلي العاصمة الأمريكية واشنطن هذا الأسبوع. ووفقًا لمصادر القناة 12 …