7:17 مساءً / 14 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

العودة إلى العلوم الاجتماعية و الإنسانية ، بقلم : د. فواز عقل

العودة إلى العلوم الاجتماعية و الإنسانية ، بقلم : د. فواز عقل

العودة إلى العلوم الاجتماعية و الإنسانية ، بقلم : د. فواز عقل

 
أعترف أنه لا يمكن لأي مجتمع في هذا العصر أن يبقى بعيدا عن التكنولوجيا و تطبيقاتها المختلفة لما لا من فوائد عظيمة للبشر، حيث سهلت التواصل والحوار مع الآخرين و تبادل المعلومات و سهلت العملية التعليمية و هذا ما حصل خلال جائحة كورونا و سهلت نشر منجزات العصر عالميا، مع أن بعض التطبيقات التكنولوجيا أصبح مصدرا مضللا للناس و مصدر إشاعات، و مهما تقدمت المواد العلمية كالفيزياء و الكيمياء و الرياضيات و الهندسة و الطب و علوم التكنولوجيا فإنها لا تغني بأي حال من الأحوال عن العلوم الاجتماعية و الإنسانية مثل: علم الاجتماع، علم النفس، النقد، علم الأخلاق، علم التربية، الفلسفة.


الإنسان مهما بلغ من علم في المواد العلمية و في التكنولوجيا يبقى كآلة لا روح فيها ،تقوم بالعمل دون عواطف و مشاعر و أحاسيس و لا تراعي الأخلاق، وقد أشرت في مقالة سابقة ضرورة العودة إلى تدريس الفلسفة و العودة إلى الأخلاق و العودة إلى المدارس لأنه لا حضارة ولا تقدم ولا ازدهار بدون القيم و المبادئ و الانضباط الذاتي و التسامح و الاحترام و تقبل الآخر و الالتزام بالقانون، كل هذه القيم تعتمد على العلوم الإنسانية، و تشير الدراسات إلى أن التقدم التكنولوجي و العلمي في العالم الثالث عامة، و الدول العربية خاصة، داء على حساب تجاهل العلوم الإنسانية و الاجتماعية و عدم التأثر بها و تحويلها إلى سلوك، و هنا أردد دائما سقراط “إن التربية التي جعلت الإغريقي إغريقيا و ليس المولد” ولا يوجد منهاج لتدريس الأخلاق أو النظافة أو التسامح أو الاحترام لأن القيم تكتسب و تمارس عن طريق القدوة و لا تعلم، و واهم من يظن أن التغيير و التقدم فقط عن طريق إنجازات العصر بدون توازن بينها و بين العلوم الإنسانية و هذا يذكرني بما قاله وزير التعليم الياباني عندما سئل عن سر تقدم اليابان فقال ببساطة إنها التربية الأخلاقية، و أقول أن هدف التعليم هو خلق مواطن جيد لا خلق طالب جيد، ولا يمكن خلق مواطن جيد بتجاهل العلوم الاجتماعية و الإنسانية.


و هذا يذكرني بحكاية طريفة، أن طالب ذهب للدراسة في جامعة في أحد الدول العربية و بعد رجوعه ذهب الناس والأقارب والجيران لتهنئته بالرجوع سالما، فسأله أحد الحضور: شو قرأت في الجامعة؟ فأجاب الطالب: تربية، فأجابه نفس الشخص: يا ابني، تغربت و كلفت أهلك مصاري كتير كنا ربيناك هنا.


أنا أدعو للعودة للعلوم الاحتماعية و الإنسانية و تعليمها بطرق و استراتيجيات جديدة تناسب العصر، استراتيجيات التعلم النشط، التعلم الذاتي، التعلم التعاوني و المجموعات و العصف الذهني و الحوار و الابتعاد عن استعمال عقل الطالب كمخزن لحفظ المعلومات و الابتعاد عن ثلاثية الحفظ و التلقين و التذكر ، و كسر جمود التلقين و إطلاق العنان لقدرات الطالب، و هنا يجب تعليم الطلاب الذين يلتحقون بهذه التخصصات كيف يوظفون هذه المعلومات و تحويلها إلى سلوك يومي و تحويلها إلى عادة مما يعود بالفائدة على الطالب و على المجتمع و كذلك أدعو إلى فهم التوجهات المستقبلية لأجيال المستقبل و أركز أن المشكلة ليست في العلوم الاجتماعية و الإنسانية أنما تكمن المشكلة في طريقة تعليمها في المدارس و الجامعات بطرق تخاطب العقل لتصبح هذه المواد جزء من حياتنا، تؤثر فينا و في سلوكنا، و تفهم الطالب أنه لا يوجد حقيقة واحدة، عند ذلك لا يمكن لأحد أن يقلل من قيمة العلوم الاجتماعية و الإنسانية و سيزداد الإقبال على دراستها في الجامعات و تتغير النظرة الدونية إليها، لأن كل ما يحدث من حولنا هو نتيجة التقليل من قيمة هذه المواضيع و عدم التأثر فيها و تطبيقها اليومي في المجتمعات، قبل أن نصبح كمن يقلب كقيه على ما فاته، لأن تجاهل العلوم الإنسانية و الاجتماعية بشكل مقصود أو غير مقصود يؤدي إلى جعل العالم يسير وفق قيم واحدة هي قيم الغرب، و كذلك فرض رؤى عالمية أحادية على العالم بدل رؤية عالمية تعددية منتوعة تقبل تعدد الثقافات و القيم و مصادر المعلومات و إلى تفاعل هذه التعدديات مع بعضها و اعتراف كل منها بالآخر.


و هنا أطرح بعض الأسئلة تثقل كاهلي و كاهل كثيرين آخرين من التربويين و علم الاجتماع و الفلسفة، أنا أعتقد أن العلوم الاجتماعية و الإنسانية هي المحرك الفكري و الأخلاقي في حياة البشر في جميع مناحي الحياة:


1-لماذا على الطالب أن يدرس ويبحث في العلوم الاجتماعية  و الإنسانية إذا لم يكن هنالك طلب في السوق كما يجري حاليا؟


2-كيف يمكن أن نقنع الأجيال القادمة بأهمية العلوم الإجتماعية و الإنسانية و هنالك آلاف الخريجين بدون عمل و بدون وظيفة ؟


3-إلى متى يتم تدريس العلوم الاجتماعية كمدخلات لفظية ومخرجات لفظية؟


4-هل يمكن حصر التعليم في خدمة القطاع الخاص و تلبية حاجات رجال الأعمال على حساب تجاهل العلوم الاجتماعية و الإنسانية؟


5-كيف يمكن للعلوم الاجتماعية و الإنسانية أن تساهم في حل المشاكل الأخلاقية اليومية و هنا أشير إلى حلول يمكن للناس العاديين تطبيقها وليس حملة الشهادات.


6-هل لا يزال للعلوم الاجتماعية والإنسانية مكان في عالمنا اليوم بشكل عام و في التعليم بشكل خاص؟


7-ما هي التحديات الأخلاقية التي يمكن أن تظهر في المستقبل القريب أو البعيد بعد ظهور الذكاء الاصطناعي؟


8-ما هي التحديات الفلسفية التي فرضتها اكتشافات العصر ؟ أي كيف سنفكر كبشر؟


9-هل يجب أن نقلق كبشر من فكرة أن يصبح الإنسان عديم المهارة عديم الأخلاق؟


10-لماذا هذه النظرة الدونية لأصحاب التخصصات في العلوم الاجتماعية و الإنسانية؟ مع العلم أن علم النفس وعلم الاجتماع والآداب و الفنون و التربية لها وزن كبير في دول العالم الآخر.


11-لماذا ينظر إلى الذين يدرسون الطب و الهندسة و الصيدلة و الحاسوب على أنهم أفضل من الذين يدرسون علم الاجتماع و الفلسفة و التربية و الفنون على سبيل المثال؟


12-لماذا يتم قبول الطلاب في الجامعات في الطب و الهندسة والحاسوب على أساس المعدلات المرتفعة و أصحاب المعدلات المتدنية يوجهون إلى كليات العلوم الإنسانية و الاجتماعية؟ لماذا لا يتم توجيه المعدلات المرتفعة لدراسة التعليم و الآداب و الفلسفة و الفنون و الحوار؟


 
و أخيرا أقول: نحن التربويون المحاورون أصحاب اليقظة، أصحاب البوصلة، نصنع البوصلة ولا ننتظرها،و ندق الناقوس أحيانا لأنه عدم وجود رؤية تعليمية تربوية واضحة المعالم يؤدي إلى جموح المناهج و المعلمين و الطلاب و التقويم و المجتمع.

  • – د. فواز عقل – باحث في شؤون التعليم و التعلم

شاهد أيضاً

وفد اتحاد نقابات عمال فلسطين في لبنان يبحث سبل التعاون الصحي مع إدارة المستشفى التركي في صيدا لخدمة أبناء المخيمات الفلسطينية

وفد اتحاد نقابات عمال فلسطين في لبنان يبحث سبل التعاون الصحي مع إدارة المستشفى التركي في صيدا لخدمة أبناء المخيمات الفلسطينية

شفا – في إطار حرص اتحاد نقابات عمال فلسطين فرع لبنان على تعزيز التعاون مع …