7:52 صباحًا / 27 يوليو، 2024
آخر الاخبار

المحاكم.. مكان لاختبار الصبر! بقلم : سمر هواش

المحاكم.. مكان لاختبار الصبر! بقلم : سمر هواش

المحاكم.. مكان لاختبار الصبر! بقلم : سمر هواش

تعتبر المحاكم الفلسطينية “مكاناً لاختبار الصبر”، فمن أراد اختبار صبره، فليذهب لمحكمة بداية رام الله مثلا، ولأكثر الناس صبراً، فان ثلاث ساعات انتظار فيها كفيلة بأَنْ تفقده صبره وطاقته الإيجابية لعدة أيّام لاحقة.

كثيرة هي منغصات الحياة التي نعيشها، لدرجة أننا أصبحنا نرفع أصواتنا لنسمع صداها يرتد لنا، لانها قَلّما تجد آذانا صاغية عند ذوي العلاقة، ومن بين هذه القضايا منظومة القضاء في فلسطين التي ما زالت تُواجِهُ استقواءً من السلطة التنفيذيه في ظل الغياب الكامل للسلطة التشريعية، إلى جانب قضايا عديدة أخرى أضعفت القضاء، وهزت صورته في المجتمع الفلسطيني، ومن بين أمور عديدة أخرى، فان طول فترة التقاضي، وهو ما يُطلَقُ عليه بالعامية “المرمطة في المحاكم”، هي الصفة الغالبة في معظم القضايا، وخاصة المحاكم النظامية منها، والتي قد تأخد سنوات طويلة. ويعود ذلك لأسباب عديدة أبرزها عدد القضاة نسبة لعدد القضايا، ما يتطلب إعادة النظر بذلك من قبل الجهات ذات العلاقة.

من جهة أخرى، فإن عدم ملاءمة بيئة المحاكم، سواء للمحامين أو لأصحاب القضايا المرفوعة، يزيد الأمر سوءاً، وكل ذلك يتجمع مع عوامل أخرى عديدة لكي يفسر سبب احتلال القضاء العشائري مساحة واسعة على حساب القضاء الرسمي، ولماذا بات الناس يتجنبون التوجه للمحاكم رغم حاجتهم لها.

محكمة بداية رام الله خير مثال على ذلك، حيث تتكدس فيها القضايا، ويستمر الترافع في بعضها سنوات طويلة قد تزيد عن 5 سنوات أو أكثر! وبعض القضايا ما زالت قيد الدراسة، وربما يمتد أمد التقاضي فيها لسنوات أخرى إلى أن تجد طريقها للحسم.

هذا من جهة أمد التقاضي، أما لجهة ملاءمة بيئة المحكمة فحدث ولا حرج، فالمبنى المكوّن من عدة طوابق يربطها مصعد صغير لا يتناسب وأعداد المحامين والمراجعين وكل ذوي العلاقة بالمحكمة. تصل إلى الطابق الرابع بصعوبة، وبعد الانتهاء من مرحلة التزاحم على المصعد، تنتظر في ممر طويل يزدحم بالمحامين وأصحاب القضايا والمتدربين والمتدربات والمطلوبين للشهادة ومرافقيهم وغيرهم من المواطنين. هذا الممر مخصص أصلا للمرور فقط، كونَه يمتد بطول يبلغ نحو 20 متراً، أما عرضه فلا يزيد عن مترين ونصف المتر بالحد الأقصى، ويمكنكم أن تتخيلوا حالة من يضطر للانتظار لمدد تتفاوت في طولها أو قصرها حسب القضايا. مكان مزدحم لا يَتّسِع عدد المقاعد فيه لأكثر من ثلاثة أشخاص، مليء بالمدخنين، وتعلو فيه أصوات المحامين وموكليهم لتغزو قِصَصَهُم أسماع الحاضرين رغما عن أنوفهم، ويبدو أن أحداً لا يكترث للحفاظ على خصوصية قضيته!!

تَنْتَظِرُ مُطَوّلاً في هذا الممر/ السرداب الذي يسبب ضيق التنفُّس لكل المتواجدين فيه، تدخُلُ إلى غرفة التقاضي لتجِدَ قاضيا أو قاضية يستمع له/ها الحاضرون باحترام شديد، ويمتثل لتعليماته/ها جميع من بالغرفة من محامين وعاملين بالمحكمة ومتقاضين وغيرهم، دون إجبار أو إكراه، ودون امتعاض من أحد، ودون الالتفات ما إذا كانَ القاضي ذكراً أو أنثى- على الرغم من أنّ العين اعتادت على مشهد الذكورية في مراكز التأثير وصنع القرار- وهو ما يُثْلِجُ الصدرَ بعد انتِظار يمتَدّ أمده لأكثر من ثلاث ساعات للإدلاء بشهادة ما في قضية ما، ورغم كثرة القضايا والمتقاضين ضمن مساحات لا تتسع لهذا العدد الهائل من الناس.

ربما اعتاد على هذا المشهد من يتردد على المحاكم باستمرار، لكن عدم توفر البيئة الملائمة للتقاضي يبقى تحدياً ماثلاً أمام الجهات ذات العلاقة، لأن بقاءه على هذا الحال يتعارض مع أبسط حقوق الإنسان المتمثلة في حق المواطن/ة في حياة حرة كريمة، وهو ما يتنافى مع ما جاء في القانون الأساسي الفلسطيني. ويكتسب الموضوع أهمية قصوى إذا عرفنا حسب معلومات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني التي نُشرت في أيلول من العام 2023 أن عدد القضايا في المحاكم النظامية بمختلف أنواعها بلغت في العام 2022 ما مجموع 204762 قضية، وجرى البتّ في 83032 قضية فقط، ما يدلل على كثرة التقاضي وشُح الفصل بالقضايا.

إن إحداث تغيير في منظومة القضاء برمتها، وإيجاد بيئة تقاض آمنة ومُريحة في الصدارة منها، سيبقى المحك العملي أمام صناع القرار، فإما أن يبقوا الحال على ما هي، بما يُؤشّر لمزيدٍ من التدهور، أو يُسَجلون اختراقاً يُحدِثُ فَرقاً في مسار الحياة الديمقراطية في فلسطين، فهل من مُسْتَجيب لإعادة الاعتبار للقضاء الفلسطيني كإحدى السلطات الأساسية والمفصلية للحكم الديمقراطي في فلسطين، إلى جانب السلطتين التشريعية والتنفيذية؟

وهل من مجيب لإجراء الإصلاح القضائي في فلسطين، بما في ذلك إيجاد بيئة تقاضٍ ملائمة ولائقة تضمن منظومة قضاء عادلة لكل المواطنين والمواطنات؟؟


طول فترة التقاضي، وعدم ملاءمة بيئة المحاكم، سواء للمحامين أو لأصحاب القضايا المرفوعة، يزيد الأمر سوءاً، وكل ذلك يتجمع مع عوامل أخرى عديدة لكي يفسر سبب احتلال القضاء العشائري مساحة واسعة على حساب القضاء الرسمي، ولماذا بات الناس يتجنبون التوجه للمحاكم رغم حاجتهم لها.

شاهد أيضاً

حسين الشيخ يهاتف وزير خارجية سلطنة عُمان

حسين الشيخ يهاتف وزير خارجية سلطنة عُمان

شفا – هاتف أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، وزير خارجية سلطنة …