11:29 صباحًا / 29 أبريل، 2024
آخر الاخبار

فيلم “أوبنهايمر”.. هوليود وعودة الخطاب الاستعلائي الأمريكي ، بقلم : عمار جمهور

فيلم "أوبنهايمر".. هوليود وعودة الخطاب الاستعلائي الأمريكي ، بقلم : عمار جمهور

فيلم “أوبنهايمر”.. هوليود وعودة الخطاب الاستعلائي الأمريكي ، بقلم : عمار جمهور

يشكل نجاح فيلم “أوبنهايمر” انطلاقة جديدة للسينما العالمية، وعودة للسينما الأميركية الهوليوودية للعصر الذهبي. وأثار الفيلم جدلا عميقا بموضوعه ومضمونه. فقد كان وما زال الإقبال على مشاهدة الفيلم في دور السينما خاصة في الولايات المتحدة وفرنسا تاريخيا بمعنى الكلمة، وسجلت إيراداته أرقامًا قياسية وشكل “تريند” عالميا عرف بظاهرة “باربيهايمر” على منصات التواصل الاجتماعي، لتزامن إصداره وعرضه مع فيلم “باربي”، الذي سيتم التطرق له في مقال آخر.

يعود نجاح “أوبنهايمر” إلى حجم الحملة الترويجية غير المسبوقة قبل عرض الفيلم، فميزانية إنتاج الفيلم بلغت 100 مليون دولار، فيما كلفت الحملة الترويجية له قرابة 80 مليون دولار. أي أن تكلفة إنتاجه وحملته الترويجية بلغت 180 مليون دولار. وحصد الفيلم خلال شهرين من عرضه حوالي 800 مليون دولار، وارتفعت إيراداته بعد عرضه في الصين خلال الشهر الماضي.

ويأتي عرض الفيلم في ظل ركود سينمائي لأسباب مختلفة أهمها انتشار استخدام منصات الأفلام إلكترونيا مثل نتفليكس وأبل، لينعش سوق السينما ويحقق أعلى إيرادات لفيلم سينمائي منذ 5 سنوات. ومن الأهمية إدراك أن نجاح الفيلم لا ينحصر في تحقيقه أرباحًا مالية فقط، بل في تحقيقه جملة من الأهداف السياسية والثقافية، فالفيلم يحصر الأسف لما حل باليابانيين من مقتل مئات الآلاف منهم بتفجيري هيروشيما وناغازاكي فقط في العالم الأميركي العالم روبرت أوبنهايمر مخترع القنبلة الذرية، ولا يظهر أي أسف أو اكتراث أميركي تجاه مأساة الشعب الياباني في الحرب العالمية الثانية، ولو حتى في مشهد واحد. هذا الأمر دفع اليابان لحظر عرض “أوبنهايمر” في دور السينما على أراضيها، وفعلت مثلها الهند لاستهتار الفيلم واستهانته بالمعتقدات الهندوسية ورموزها وتجلي نبرة الخطاب الاستعلائي الأميركي.

تنبع خطورة الفيلم في الأساس من محاولته وربما نجاحه في جذب التعاطف مع بطل الفيلم، وتصويره لمأساوية حياته ومعاناته من صراع داخلي مليء بالتناقضات، ومحاولة الفيلم الفجة للترويج لجملة من القيم الغربية المرفوضة لدى الآخرين، بالإضافة إلى أن الفيلم يشكل محاولة لنشر أو فرض الهيمنة الثقافية والسياسية الغربية على الشعوب الأخرى.

يسرد الفيلم سيرة حياة العالم الأميركي روبرت أوبنهايمر، ولعب دور البطولة في الفيلم الممثل كيليان مورفيو وروبرت داوني جونيور بدور شتراوس وآخرون. ويسلط الفيلم الضوء على إدارة ما كان يعرف بـ “مشروع مانهاتن” خلال الحرب العالمية الثانية، والرامي إلى اختراع القنبلة الذرية. ويلقي الفيلم الضوء على سيرة حياته وتعليمه، وعبقريته وتميزه العلمي ودراسته “أوبنهايمر” في ألمانيا الفيزياء الكمية، هذا التخصص الذي كانت تفتقده الولايات المتحدة الأميركية في حينه، ليعود أوبنهايمر بعد دراسته من ألمانيا لتحقيق التفوق الأكاديمي الأميركي عبر اختراع القنبلة الذرية.

ويبرز الفيلم الصراع التنافسي بين أوبنهايمر مع عضو هيئة الطاقة الذرية الأميركية لويس شتراوس، -قام بدوره وروبرت داوني جونيور-، وكان يعتبر أوبنهايمر خصمًا له، ومحاولة تشويه صورته والترويج على أنه على صلة بالاتحاد السوفييتي. وأظهرت مجريات أحداث الفيلم حوارا فلسفيا يرمز إلى طبيعة الحوار أو الصراع الفكري بين منطق العلم ومنطق توظيف العلم في خدمة السياسة، الذي ظهر جليًّا في رفض ألبرت آينشتاين التعاون مع أوبنهايمر في صناعة القنبلة الذرية،

الأمر الذي دفع شتراوس عبر تتبعه للقاء أوبنهايمر وآينشتاين للظن أن أوبنهايمر قد حرض آينشتاين ضد الفكرة، إلا أنه في حقيقة الأمر أن رفض آينشتاين للتعاون مع أوبنهايمر جاء من منطلق قيمي مبدئي. ووظفت مشهدية لقاء أوبنهايمر وآينشتاين لخدمة الفكرة الأساسية للفيلم المتمثلة بندم أوبنهايمر لاحقا على دوره في اختراع القنبلة الذرية التي تمكن البشر من تدمير الأرض في أي لحظة صراع، وتجلى ذلك بطلبه “أوبنهايمر” من الرئيس الأميركي هاري ترومان عدم استخدام القنبلة مرة أخرى لخطورتها وبشاعة أثرها على مستقبل البشرية جمعاء، الأمر الذي دفع الحكومة الأميركية إلى التشكيك بولائه للولايات المتحدة قبل أن يتم تكريمه من قبل الرئيس الأميركي جون كنيدي لاحقا، وذلك في اعتراف ضمني لإنجازه العلمي الكبير. كما تضمن العمل السينمائي مشاهد بالأسود والأبيض وخاصة تلك المشاهد التي أظهرت خلاف أوبنهايمر مع “لويس ستاريس” فعندما تظهر صورته أي الأخير تكون باللون الأبيض والأسود فيما تظهر صور أوبنهايمر بالألوان في إشارة دلالية على عمق الخلافات بين الاثنين.

افتتاحية الفيلم كانت مذهلة بامتياز، ربطت صورة النجوم مع تساقط الأمطار وتلك الدوائر الفيزيائية التي تحدثه وتلك الأفكار التي تدور في عقلية أوبنهايمر ومن ثم صورة كاملة لانفجار كبير تملأ الشاشة، وتظهر بعد ذلك جملة نصية “سرق بروميثيوس النار من الآلهة وأعطاها للإنسان ولذلك تم تقييده بصخرة وتعذيبه للأبد”، حيث تعتبر الأسطورة بروميثيوس على أنه كان من أعرق الآلهة الجبارين الذين حكموا الأرض خلال العصر الأسطوري الذهبي. وتشير الأسطورة إلى أنه كان حكيما وبعيد النظر، بالإضافة إلى كونه قادرًا على استشراف المستقبل والتنبؤ به، الأمر الذي مكنه من مساندة “مزيوس أبي الآلهة” في حربه ضد كرلوموس لمعرفته المسبقة بنصره. استحضار الفيلم لهذة الأسطورة وإعادة توظيفها لخدمة فكرة الفيلم يشير إلى عبقرية المخرج كريستوفر نولان، كما يظهر إشارات استدلالية لعقدة الذنب لدى أوبنهايمر من جانب، وعبقريته ورياديته لضمان انتصار الولايات المتحدة الأميركية في الحرب العالمية جهة اخرى. فإعادة إحياء الميثولوجيا الإغريقية لخدمة فكرة الفيلم وفلسفته الجمالية الفنية بطريقة حملت في طياتها مسعى بطابع استنباطي دلالي. الأمر ذاته ينطبق على رمزية حقن التفاحة بالسم من قبل “أوبنهايمر” لقتل أستاذه الجامعي، لتغير هذه الواقعة حياته جراء أحلام روادته في منامه جعلته يغير طريقة تفكيره، لا سيما في استحضار لرمزية التفاحة لدى العالم إسحاق نيوتن التي شكلت تحولا تاريخيا في الفلسفة العلمية والنظرية والفلسفية وخاصة في علم الفيزياء.

امتداد الفيلم على مدار ثلاث ساعات دون أي ملل بفضل الأداء المتقن من قبل عدد من النجوم الذين لا يستهان بهم خاصة كيليان مورفيو (أوبنهايمر) وجسد حياته بكل تفاصيلها الدرامية والعلمية والعاطفية، ناهيك عن الإخراج والمتمثل بتشييد بناء مدينة “لوس ألاموس” لتحاكي صورتها في القرن الماضي، وتضمن الفيلم مشهدية لصورة شابة خلال الانفجار وهي ابنة مخرج الفيلم خدمت فكرة الرامية إلى أن إيجاد القوة التدميرية سيقود في نهاية المطاف إلى تدمير من هم أعزاء عليك. ومن القضايا التي عبر عنها مخرج الفيلم أنه استخدم متفجرات حقيقية وتجنب تلك الرسوم التي تم إعدادها حاسوبيا، بالإضافة إلى الموسيقى التصويرية التي تم تضمينها لتأتي منسجمة وسياقات السرد السينمائي وتتالي المشاهد الدرامية في هذا العمل السينمائي.

يعتبر الفيلم من الأعمال الفريدة في تاريخ السينما الأميركية التي أعادتها مجددا إلى الصدارة، ويعيد إلى الأذهان مشهدية فيلم العرّاب الذي يعتبر أيقونة في السينما الأميركية والعالمية، وأفضل ما أنتجت في تاريخها.

ومن نافل القول، إن السينما الأميركية تعتبر من أبرز الأدوات الترويجية للسياسة الأميركية “الخارجية، الداخلية، الذي يعتبر تأكيدا على ترسيخ صورتها وهويتها في العالم ضمن سياق ما بات يعرف بالعولمة وما تلا ذلك من إفرازات لمرحلة ما بعد الحداثة وإعادة التأكيد على الانطباعات المترسخة أو تعزيزه تلك المتضعضعة أو استحداثها لدى الأجيال الجديدة على المستوى العالمي، عبر مزج مجموعة من المكونات المتمثلة بالعلاقات العامة والدبلوماسية العامة والتسويق والترويج الفني والسينمائي، التي بجوهرها تعد لب ما يعرف بعلم “التواصل الاستراتيجي”- الذي يمزج مجموعة من المكونات لخدمة غاية واحدة بطريقة مقصودة وهادفة-، خاصة بعد أن تراجعت سطوة الإعلام التقليدي بفعل تطور الإعلام الرقمي الذي أفقد الولايات المتحدة الاميركية امتيازها بسبب التراجع التقليدي لدور حارس البوابة وتمكن الروايات الإعلامية والسياسية والفكرية “للآخر” غير الأميركي من الولوج العالم بما فيه المجتمع الأميركي.

وهنا تأتي لتوظيف السينما مجددا لاستعادة ما يعرف بـ “الترويج للدولة”، الأمر الذي قد يفسر إغفال الفيلم لامكانية وجود علاقة بين أوبنهايمر اليهودي الأميركي من أصول ألمانية مع الكيان الصهيوني وامكانية مساهمته في تطوير المشروع النووي الإسرائيلي، الامر الذي اغفله او تناسه الفيلم.

شاهد أيضاً

محمد مصطفى يبحث مع السفير المغربي تعزيز العلاقات الثنائية وانعقاد اللجنة المشتركة

محمد مصطفى يبحث مع السفير المغربي تعزيز العلاقات الثنائية وانعقاد اللجنة المشتركة

شفا – التقى رئيس الوزراء، وزير الخارجية والمغتربين محمد مصطفى، في مكتبه برام الله، سفير …